مقالات

تصريحات رئيس “التكنولوجيا”: قراءة ما بين السطور

عندما يجري رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا لقاءً مطولاً مع وسيلة إعلامية، فمن الضروري أن نقوم بمتابعتها وتمحيصها. كيف لا ونحن نتحدث عن ثاني أكبر جامعة رسمية من حيث حجم الموازنة وحجم الإقبال عليها بعد الجامعة الأردنية. كما أنها ثاني أقدم جامعة أردنية من ناحية التخصصات الطبية، إضافة إلى أن جامعة العلوم والتكنولوجيا ستكون أولى الجامعات الأردنية –إضافة إلى الجامعة الأردنية- في اعتماد االقبول المباشر –في حال استطاعت الحكومة تمرير هكذا قرار شعبياً.لن أتناول حديث الرئيس عن أن “نسبة رسوم الموازي  تقدرب بـ 52 مليون دينار أردني وتشكل ما نسبته 30% من موازنة الجامعة البالغة 100 مليون دينار. فيما “رسوم البرنامج العادي تقدر بـ 12 مليون دينار”. علماً بأن رسوم البرنامج الموازي وفق الأرقام التي طرحها الدكتور الجراح تشكل 52% من موازنة الجامعة أي أن أكثر من نصف الموازنة تأتي من البرنامج الموازي (52 مليون من 100 مليون) وليس (30%) كما ذكر الرئيس. إضافة إلى أن إيرادات الجامعة -وفق أرقام الرئيس- من رسوم الموازي تعادل ثلاثة أضعاف وثُلث الضعف عن إيرادات البرنامج العادي (52 مليون للموازي مقابل 12 مليون للتنافس).

ولن أتطرق لـ”تباهي” الرئيس بأن جامعته هي جامعة بلا مديونية، في تصريح يقتفي فيه أثر رئيس الجامعة الهاشمية، الذي كان قد أعلن فخره بأنه يسجَّل لجامعته أنها لا تعاني من المديونية. وكأن الجامعات الرسمية شركات حكومية استثمارية مطلوب منها أن توقف خسائرها وتتجه نحو تحقيق الأرباح (فائض). وهل المطلوب من مدير مستشفى البشير أن يحقق أرباحاً سنوية؟! وهل مدير مدرسة يعقوب هاشم –على سبيل المثال- مطالب بسداد عجز المديونية في مدرسته؟! ونسي الرئيسان أنهما حققا هذا “الإنجاز” من خلال التوسع في الموازي وتقليص أعداد المقبولين على التنافس واستحداث تخصصات جديدة برسوم فلكية، حرمت الفقراء من القدرة على التسجيل في هاتين الجامعتين.

ما لفت انتباهي في المقابلة التي أجراها الصديق أحمد التميمي مع رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور عمر الجراح ونشرتها جريدة الغد في عددها يوم أول من أمس الاثنين، أقول ما لفت انتباهي في هذه المقابلة  بشكل أكثر جدية من الأرقام التي ذكرتها أعلاه، هو إشارة الدكتور الجراح إلى مسألتين في غاية الخطورة: مطالبته بتوحيد رسوم الجامعات الرسمية، وتأكيده على النية لاعتماد القبول المباشر في جامعة العلوم والتكنولوجيا اعتباراً من العام الدراسي القادم.

فيما يتعلق بتوحيد الرسوم، فعلى الرغم من تأكيد رئيس الجامعة الدكتور عمر الجراح في المقابلة التي أجرتها معه جريدة الغد إلى أنه “لا يوجد نية لدى  الجامعة لرفع الرسوم الجامعية” .. إلا أنه يستطرد بالدعوة إلى “ضرورة توحيد الرسوم في الجامعات، خصوصاً أنه سيتم رفد موازنة الجامعة بدخل إضافي في حال توحيد الرسوم بحوالي 17 مليون دينار”.

أعتقد أن هذا التصريح هو أخطر ما في هذه المقابلة. فالرئيس ينفي “نية” رفع الرسوم، ثم يعود و”يطالب” بتوحيد الرسوم الذي سيؤدي إلى رفعها وزيادة إيرادات الجامعة بـ 177 مليون دينار.

وبحسبة بسيطة، وإذا ما علمنا أن إيرادات جامعة العلوم والتكنولوجيا من التنافس تبلغ 12 مليون دينار سنوياً -وفق تصريح الرئيس للغد-، فإن هذا يعني أن نسبة الرفع المرتقبب لرسوم التنافس ستتجاوز الـ 140%.

إذن، فعملية توحيد الرسوم هي عملية رفع لرسوم التنافس ولكن تحت مسمىً آخر- وهو الأمر الذي كانت تحذر منه حملة ذبحتونا-. ولتوضيح حجم وخطورة هذه العملية، يكفي الإشارة إلى أن رسوم الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا سترتفع في حال توحيد الرسوم من 36 دينار للساعة، لتصبح 100 دينار للساعة أي أن نسبة الرفع في تخصص الطب ستتجاوز الـ 170%.

المسألة الأخرى التي استوقفتني هي ترجيح الدكتور عمر الجراح تطبيق القبول المباشر في الكليات الطبية لجامعة العلوم والتكنولوجيا اعتباراً من العام الدراسي القادم. والقبول المباشر يعني عدم اعتماد التوجيهي كمعيار وحيد للقبول الجامعي، ما يفسح المجال للواسطة والمحسوبية في القبول الجامعي، خاصة وأن نتائج التوجيهي لا تزال تحظى بثقة المواطنين ولم تنخره آفة الفساد، فيما تعاني جامعاتنا من فساد إدراي ومالي، يجعل من المستحيل الاطمئنان لمصداقيتها، ولنا في نتائج القبول للدراسات العليا في بعض هذه الجامعات أكبر مثال على ذلك.

يبدو أن رفع الرسوم الجامعية أصبح أمراً محسوماً، على صعيد القرار الحكومي، ويبقى الرهان على مؤسسات المجتمع المدني والقوى الطلابية لكبح جماح هذا الرفع قبل إقراره، ودفع صاحب القرار للتراجع عن عملية الرفع لما ستحمله من نتائج وخيمة على الطلبة والعملية التعليمية وعلى جامعاتنا التي ستصبح جامعات للأقدر مالياً وليس للأكفأ دراسياً.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى