تشي غيفارا والوطن العربي/ د.عصام الخواجا
تشي غيفارا ، الأسطورة الخالدة في مقارعة الإمبريالية ، الذي صادف يوم التاسع من تشرين الأول المنصرم ، الذكرى الواحدة والخمسين لرحيله ، اغتيالاً على يد ضابط من الجيش البوليفي ، بعد إصابته بجروح ونفاذ ذخيرته ، بتوجيهات وأمر مباشر من قبل وكالة المخابرات المركزية “السي أي أيه” .
ما زال “تشي” الأيقونة الأبرز للثورة في العالم ، فرغم صغر سنه حين استشهاده ، وقصر التجربة الثورية بالمقياس الزمني ، العظيمة بقيمتها وأبعادها الأممية ، والمتميزة بجذريتها في معاداة الإمبريالية وأدواتها ، عَمِلَ بجدٍ ، وكجزء من رؤيته ورؤية الثورة الكوبية التي انخرط فيها مؤسساً وقائداً ورمزاً ، لتقديم الدعم والإسناد لحركات التحرر في القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية على وجه الخصوص ، بطرق ووسائل ، بعضها عُرِف وبعضها الآخر بقي طي الكتمان ، فترجمة لذلك ، كانت الخطوة الأولى والأبرز زيارته لمصر ، ممثلاً للثورة الكوبية ،ولم يمضِ على انتصارها أكثر من 6 أشهر، ولقائه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في شهر حزيران 1959، ومن ثم زيارته لقطاع غزة، الذي كان تحت الإدارة المصرية، فزار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في القطاع، وجُلُهُم من الذين هُجِرو قسراً، ودمرت ونهبت بلداتهم وقراهم في المناطق الجنوبية من فلسطين، وتورد الشهادات الموثقة لقاء تشي غيفارا بالحاكم العام المصري لقطاع غزة الفريق أحمد سالم وبعض قادة المقاومة الفلسطينية في حينه ” الفدائيين ” هناك، ومنهم عبدالله أبو ستة ،ومصطفى مدين وقاسم الفرا. وكان غيفارا قد وصف واقع حال الصراع مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين وحالة اللجوء التي يعيشها الشعب الفلسطيني بالمعقدة ، لكنه عاد وأكد على أن الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق هو بالمقاومة، وأن كوبا مستعدة لتقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية تسليحاً وتدريباً، مستفسراً عن توفير أماكن للتدريب والإعداد على مقاومة الإحتلال.
لهذه الزيارة قيمة تاريخية كبرى، إذ شكلت علامة فارقة في إعطاء بعدٍ أممي للقضية الفلسطينية ، لكون الإتصال الأول من جهة أممية متضامنةمع المقاومة الفلسطينية واللاجئين جاء ممثلاًبمبعوث الثورة الكوبية وأيقونتها الخالدة ، تشي غيفارا ، كما أن قيمتها التاريخية الأخرى أن تكون مصر الناصرية وغزة اللجوء ورمز المقاومة هي جسر العبور والتواصل الأول للثورة الكوبية مع العالم العربي.
بعد ذلك زار دمشق والجامع الأموي وقبر صلاح الدين الأيوبي حيث التقى هناك بالرئيس شكري القوتلي.
البلد العربي الآخر هو الجزائر، التي حظيت باهتمام ودعم كوبا مبكراً، أثناء الثورة قبل انتصارها، وبعد الاستقلال، وكانت أول زيارة لوفد رسمي كوبي للجزائر برئاسة تشي غيفارا عام 1963، لما مثلته الجزائر من تجربة ونموذجاً للثورة في القارة الأفريقية والعالم .
في تلك الزيارة التقى غيفارا بالرئيس الجزائري أحمد بن بلا ، وتم الاتفاق على توطيد علاقات تعاون وثيقة بين الطرفين لدعم حركات التحرر في القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية ، ومن ضمنها تقديم الدعم والتدريب لما كان يعرف بجبهة تحرير الصحراء (لاحقاً البوليساريو) التي كانت تخوض نضالها ضد الاستعمار الأسباني.
وكان قد سبق ذلك أن تواصلت الحكومة الثورية في كوبا ، ومن ضمنها فيدل كاسترو وتشي غيفارا ، مع قيادة حركة التحرير الوطني الجزائرية في العام 1961 ، تنفيذاً لقرارٍ كان قد اتخذ بدعم الثورة الجزائرية ، فتم وفي شهر كانون ثاني 1962 ارسال 1500قطعة من السلاح الخفيف وبعض قطع المدفعية عبر الباخرة الكوبية “باهيا دي نيبي”.