أخبار محلية

تشكيل ثلاثة مجالس في أربع سنوات، يطرح أسئلة جدية حول قدرتها على أداء دورها هل تسمح تركيبة الهيئة المستقلة للانتخابات بضمان انتخابات نيابية نزيهة؟!

لم يكن تعيين مجلس مفوضين جديد للهيئة المستقلة للانتخابات بالمفاجىء، ولم يكن اختيار الوزير خالد الكلالدة رئيساً للهيئة بالأمر غير المتوقع، وهو عرّاب قانون الانتخاب الذي تم إقراره مؤخراً. ولكن ما أثار المتابعين، هو أن يتم استبدال ثلاثة مجالس وثلاثة رؤساء للهيئة المستقلة للانتخابات، في أقل من أربع سنوات، هو عمر تأسيس الهيئة، وذلك على الرغم من أن مدة المجلس، وفق القانون، هي ست سنوات.
الهيئة المستقلة للانتخابات التي أُقرت في عام 2012، لتشرف على الانتخابات النيابية الأولى بعد الحراك الشعبي، والتي عقدت في بداية العام الذي يليه، كانت أحد أهم إنجازات هذا الحراك. إلا أن تجربتها الأولى في الإشراف على الانتخابات، رافقها العديد من الملاحظات حول قدرتها على ضبط العملية الانتخابية، في ظل بقاء الأسطول الحكومي المشرف والمنفّذ للعملية الانتخابية، على حاله، وهم أنفسهم من باشر الانتخابات في فترات اتسمت بالتزوير.

 

عدم استقرار تركيبة المجلس وتأثيره على استقلاليتها

ويرى الصحفي في جريدة العربي الجديد الأستاذ محمد فضيلات، أن الهيئة المستقلة للانتخاب كتجربة حديثة في الأردن، فرضتها ظروف موضوعية، تمثلت في استحداثها في إطار مساعي صنّاع القرار على تجاوز مرحلة الاحتجاجات المطالبة بالإصلاحات السياسية، من خلال إيجاد مؤسسات وهياكل تعزز العملية الإصلاحية التي اختارها الملك، ضمن خطة الإصلاح المتدرج، ما تزال تعاني حالة من عدم الاستقرار، بدليل تقلّب ثلاثة مجالس عليها، مع أن الهيئة لم تشرف منذ تأسيسها، سوى على عملية انتخابية واحدة، إضافة إلى تعديل قانونها بعد وقت قصير من استحداثها، ليشمل الإشراف على غير الانتخابات النيابية التي استحدثت للإشراف عليها، من خلال إضافة نص “أي انتخابات أخرى يقررها مجلس الوزراء”.
ويلفت الفضيلات في اتصال أجرته معه نداء الوطن، إلى أن مبعث عدم الاستقرار عائد إلى أن استحداث الهيئة، جاء استجابة للحظة سياسية محددة، لم يكن في وارد صانع القرار استحداثها، لولا الظروف الموضوعية التي فرضتها تلك اللحظة السياسية التي كان النظام يجاهد للسيطرة على غضب الشارع المحتج. ومؤشر على أن الهيئة فرضت ضمن سياقات اللحظة التاريخية التي أوجدتها، حرص صانعو القرار على منحها صلاحيات الإشراف على العملية الانتخابية التي بقيت صلاحيات إدارتها والإعداد لها، في يد السلطة التنفيذية، إضافة إلى أن تعيين مجلسها يأتي من خلال تنسيب السلطة التنفيذية أيضاً، ما يُبقي نزاهة الانتخابات التي يقوم جوهر عمل الهيئة على ضمانتها، موضع شكّ، بسبب تحجيم دورها في سياق الإشراف دون التدخل في الإجراء.
فيما يعتبر الأستاذ جهاد المومني الناطق باسم الهيئة المستقلة، أن التغييرات التي جرت على مجلس مفوضي الهيئة، هي تغييرات روتينية، بمفهوم الإدارة الأردنية. فجميع المجالس تتغير قبل موعدها أو في موعدها، مثال ذلك، مجالس الأعيان ومجالس النواب، وحتى مجالس الوزراء. وهذا التغيير قد لا يعكس حالة من عدم الاستقرار، ولا يحمل أية رسائل، باستثناء إصرار صاحب القرار على استقلالية الهيئة وإزالة أي معوقات أمام عمل المجلس بحرية واستقلالية.
ورأى المومني أن التغيير لا يعني التبعية لجهة ما، أو عدم الاستقلالية أو تراجعاً عن معايير النزاهة. فلا بقاء المجلس لست سنوات يعني الاستقلالية، ولا تغييره ثلاث مرات خلال أربع سنوات، يعني انتهاكاً لمبدأ الاستقلالية.
واعتبر الأستاذ المومني في اتصال أجرته معه نداء الوطن، أن التغيير الذي جرى على مجلس المفوضين، يعني استمرار المحاولات للوصول إلى حالة من الاستقرار، خاصة وأن الهيئة لا زالت حديثة العهد. المهم أن الجهاز التنفيذي الذي يدير العملية الانتخابية يراكم الخبرات مرة تلو مرة، ولدينا اليوم جهاز تنفيذ يمتلك خبرة جيدة في إدارة الانتخابات رغم حداثة عمر الهيئة.
الرفيق عمار هلسا مسؤول منطقة الجنوب في حزب الوحدة الشعبية وعضو المكتب السياسي للحزب، وفي حديثه لنداء الوطن، أكد أن المتتبع لمسيرة الهيئة المستقلة وأدائها خلال الأربع سنوات السابقة، يجد أنها لم تقدم نفسها كبديل للنهج السابق في الإدارة والإشراف، لا من حيث الشخوص، ولا من حيث أدوات العمل.
واعتبر الرفيق هلسا أن الأشخاص الذين تشكّلت منهم مجالس مفوضي الهيئة، جاءوا من رحم السلطة التنفيذية أو من يدور في فلكها، وهؤلاء لا يتمتعون بثقة المواطن ورضاه، وهو ما يزيد من شكوك المواطنين والقوى الحزبية، من جدية وجود انتخابات حرة ونزيهة.

الإشراف على الانتخابات وتجربة الــ 2013
ويعتبر الكاتب الأستاذ جهاد المومني الناطق الرسمي باسم الهيئة، أن انتخابات 2013، هي تجربة، وبالتالي احتملت بعض الأخطاء، لكنها على حدّ علمي أخطاء طفيفة لم تؤثر على نتائج الانتخابات، ولا ننسى أنها تجربة الهيئة الأولى في إدارة عملية انتخابية واسعة النطاق على مستوى البلد. ومع ذلك، فالتجربة كانت ناجحة بشهادة الجهات الرقابية المحلية والدولية، حسب التقارير التي تحتفظ الهيئة بها، وتناولت أدق تفاصيل العملية الانتخابية، وهذه التقارير تخضع لمراجعة الهيئة المستمرة، بهدف تصويب ملاحظات الجهات الرقابية.
ويرى المومني أن الهيئة المستقلة للانتخاب، ليست الجهة الوحيدة المعنية بالعملية الانتخابية، ولكنها الجهة الوحيدة التي تدير وتشرف على هذه العملية. فللهيئة شركاء في الحكومة ومن خارج الحكومة، حتى وزارة الداخلية تعتبر شريكاً في وضع الخطة الأمنية، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من الوزارات مثل وزارة الشؤون السياسية ووزارة البلديات ووزارة الاتصالات.
ورفض الأستاذ المومني اعتبار الجهاز التنفيذي في الهيئة جهازاً حكومياً، بل هو جهاز من لدنّ الهيئة، وجميع العاملين في الهيئة هم ضمن كادر الهيئة، ولكن خبراتهم الحكومية هي التي رافقتهم في العمل، وهي خبرات غنية ومهمة.
ولفت المومني إلى أن معايشة بعض الموظفين لعمليات انتخاب سابقة شابها التزوير، ليس ذا قيمة، كون التزوير جريمة لا يرتكبها الأشخاص، وإنما كانت محصلة نهج اتبع في مرحلة ما، نؤمن أنها اندثرت بولادة الهيئة المستقلة، وقد تغير هذا الوضع تماماً، فالسياسة الرسمية للدولة الأردنية فيما يتعلق بالانتخابات النيابية، تقوم على مبدأ أساسي، يتمثل في الاستقلالية التامة للهيئة لضمان الحياد التام والنزاهة والشفافية في أية عملية انتخابية.
ويعتبر الصحفي محمد فضيلات أنه وبالنظر إلى التجربة الأولى للهيئة بإشرافها على الانتخابات النيابية التي جرت في العام 2013، فقد كان عملها مرتبكاً بشكل واضح، خاصة بعد الاتهامات التي طالتها فيما يتعلق باحتساب الفائزين في القوائم الوطنية، والتي تحولت إلى “نكتة” في الشارع الأردني، وإن كانت الهيئة قد رأت في تعديل النتائج أكثر من مرة، دليلاً على مصداقيتها، قد نظر للأمر مؤشراً على عدم حرفيتها.
فيما اعتبر الرفيق عمار هلسا أن التخبط الذي واكب عمل الهيئة في انتخابات عام (2013)، خاصة في عملية الفرز وتحديد الفائزين من مرشحي القوائم الوطنية، كان بنتيجة تدخل وضغط السلطة التنفيذية وقوى الشد العكسي المحافظة وفرض رؤيتها على عمل الهيئة، حين استهدفت تسخيف مخرجات القوائم الوطنية للتأسيس لعملية إلغائها لاحقاً، وهذا ما حدث مؤخراً في إصدار قانون الانتخابات النيابية لعام (2016).
ورأى الهلسا أن أدوات العمل بمختلف الجوانب المتعلقة بالعملية الانتخابية _ تسجيل _ ترشيح _ انتخاب _ فرز _ أمن _ تمويل وغيرها، وما تحتاجه من كوادر بشرية مؤهلة على مدى العملية الانتخابية، فهي معتمدة بالكامل على السلطة التنفيذية والجهاز الإداري التابع لها.
وتساءل الرفيق هلسا عن أسباب استقالة مجلس الهيئة السابق برئاسة رياض الشكعة؟ ولماذا لا تعلن على الملأ لتكريس مبدأ الشفافية؟ رغم أن مجلس الهيئة يعين لمدة ستة سنوات، معتبراً أن المجلسين السابقين والمجلس الحالي والمجالس اللاحقة، ستبقى تعمل تحت هاجس وشبح الإقالة، أو دفعها إلى الاستقالة، وترجي ودّ السلطة التنفيذية.
وختم الرفيق عمار هلسا حديثه، بأن مثل هكذا هيئات، لن تكون مستقلة واقعياً، ولن تكون قادرة على العمل بشفافية وحيادية وتكريس مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون، ما لم تكن مجمل الهياكل والبُنى السياسية _ قوانين ومؤسسات _ تعمل في بيئة ديمقراطية تقدمية حقيقية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى