تسونامي سياسي يجتاح السنغال!!
من الجولة الأولى تم انتخاب المعارض باسيرو ديوماي فاي، المفرج عنه من السجن قبل عشرة أيام، رئيسا للسنغال لفترة الخمس سنوات القادمة.
وتقدم المرشح الشاب (44 عاما) عن حزب “باستيف” بفارق كبير على منافسيه. وهي نتيجة باهرة احتفل بها أنصاره في الشوارع بابتهاج شديد بعد سنوات من الأزمة السياسية العميقة التي تضرب البلاد.
فوز مرشح المعارضة الرئيسي في الانتخابات فاجأ الكثيرين، حيث لم يكن يُسمع بإسمه كثيرا من قبل خصومه السياسيين. وهكذا جسد مرشح حزب (الوطنيين الأفارقة في السنغال للعمل والأخلاق والأخوة)؛ “باستيف” -والذي حلته الحكومة في أيار الماضي- تجديدا جذريا. فنجح هذا النقابي السابق، والذي يقدم نفسه إنموذجا أفريقيا للقائد السيادي، قاتل الفساد، المناهض للنظام بلكنة شعبوية، ويحمل مشروع القطيعة؛ ليس فقط مع الحزب الحاكم، بل مع الطبقة السياسية السنغالية ككل.. فمثل حالة من فك الإرتباط الكامل مع الواقع السائد.
ومنذ البدء بإعلان النتائج الأولية، بدت الفجوة بين باسيرو ديوماي فاي ومنافسيه هائلة. كما أن النتائج في معظم المراكز في المدن الكبرى وضعته في المقدمة. ولأول مرة، يظهر بأن عدد سكان السنغال في المناطق الحضرية أكبر من عددهم في الريف. فصمد المرشح باستيف بشكل جيد، ولم يتم الإبلاغ عن أي حوادث شاذة خلال عملية التصويت، وتمكن باسيرو ديوماي من الحصول على الأغلبية المطلقة من الأصوات متقدما على الجميع بهامش كبير، رغم أن الحزب الحاكم قد ألمح مؤخرا بأن الإحتفالات بفوز باسيرو سابقة لأوانها!!
وكانت اللجنة العليا للإنتخابات قد أزاحت قبل ثلاثة أشهر عثمان سونكو _رفيق الرئيس المنتخب- من على قائمة المرشحين، مما مكن الأخير من الوقوف إلى جانب باسيرو ودعمه في حملته الإنتخابية، وهكذا شكل ثنائي حزب “باستيف” باسيرو-سينكو، قوة متناغمة، تحمل “برنامج متكامل”، وخاضا مترافقين حملة إنتخابية خاطفة تميزت بالحماسة والحيوية، وبمشاركة تجمعات جماهيرية حاشدة على إتساع البلاد.
لقد عكس فوز باسيرو تعبيراً عميقا عن الشعور بالسخط إزاء فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال. حيث شهدت السنغال طوال الثلاث سنوات الأخيرة، توترات سياسية وأمنية حادة طغى عليها العديد من الإجراءات غير القانونية، حيث جرى سجن ما يقرب من ألف شخص لأسباب سياسية، ثم جاءت ألاعيب الحكومة السياسية التي شهدتها الأسابيع الأخيرة قبيل الإنتخابات، وخاصة إشاعة احتمال تأجيل التصويت، بمثابة القشة التي قصمت ظهر ما تبقى من ثقة بالنظام السابق.
من المؤكد أن حزب “باستيف” يتمتع بقاعدة انتخابية متينة، ولكنه استفاد أيضاً من دعم العديد من الناخبين الذين رفضوا الاستمرار في سياسات الحكم المنتهية ولايته. ولاحظ مراقبون؛ بأن الكثيرين ممن صوتوا لصالح باسيرو قد قرروا اختيار الشخص الذي يبدو أنه في وضع أفضل لتجسيد التجديد والقطيعة مع الحقبة السياسية البائدة!
هل يشكل نجاح باسيرو رفضا لتحالفات السنغال القديمة وخاصة مع فرنسا؟!
يرى الكثير من المراقبين الأفارقة وصول معارضة راديكالية إلى السلطة في السنغال، بمثابة مؤشر على رفض التحالفات القديمة، وخاصة مع فرنسا، ويعيدنا الموضوع إلى حالة تماثل سيطرة الجيش على السلطة في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر على مدى السنوات الثلاث الماضية.. ويرى البعض بأن الموضوع يتشابه في البلدان الأربعة مع الرغبة في إعادة التوازن إلى العلاقات الداخلية والخارجية، وبلورة تصور مشترك نحو العدالة الإجماعية وتوزيع الثروة، وإرادة معلنه لمكافحة الفساد، وإستعادة الثروات والسيادة الوطنية.
وفي هذه العناوين، من المؤكد بأن هناك عناصر متقاربة بين الخطاب الذي يدافع عنه باسيرو ديوماي فاي، وما يعبر عنه أنصار الأنظمة العسكرية الإنتقالية في دول الجوار، خاصة فيما يتعلق بمسألة إنضاج فكرة الفرنك الأفريقي.
مع تقارب السمات البرنامجية، ومع الأخذ بعين الإعتبار إختلاف الوضع بين الاختيار الحر للناخبين، وبين السيطرة على السلطة بقوة الجيش المدعوم من الشارع، إلا أنه في كلتا الحالتين، من المهم التأكيد على أن رياح التحرر والعدالة والإنعتاق والسيادة الوطنية التي تهب على أفريقيا، تشتد وتكسب مزيدا من الأنصار.