تساؤلات حول جدوى برنامج “الإصلاح الاقتصادي” في ظل استمرار الارتفاع في المديونية والعجز
على الرغم من كافة الادعاءات الحكومية، والتسويق لأهمية برنامج “الإصلاح الاقتصادي” المفروض علينا من صندوق النقد الدولي، ودوره في تحسين الاقتصاد الأردني وتقليص العجز في الميزانية والدين العام، إلا أن البيانات الرسمية التي صدرت قبل يومين عن وزارة المالية دحضت كل هذه الادعاءات.
فقد أظهرت نشرة وزارة المالية لنهاية الربع الثالث من العام الحالي عجزا قدره 655.7 مليون دينار مقابل عجز مالي بلغ 561.1 مليون دينار في الفترة نفسها من العام الماضي. أي أن العجز في الموازنة العامة ارتفع بما يقارب الـ 90 مليون دينار أردني أي 130 مليون دولار أمريكي. كما بينت النشرة ارتفاع إجمالي صافي الدين العام المترتب على المملكة في نهاية الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بنسبة 8.6 % مقارنة مع مستواه نهاية العام الماضي. حيث صعد الدين العام بمقدار 1757.5 مليون دينار لتصل قيمته إلى 22.3 مليار دينار في نهاية الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، بحسب بيانات وزارة المالية.وبذلك يتخطى مجموع الدين حاجز الـ 80%، حيث أصبح يشكل 82.2 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام الحالي وبارتفاع نسبته 1.4 % نقطة مئوية عن مستواه من الناتج للعام الماضي.
الخبير الاقتصادي الأستاذ محمد البشير أشار إلى أن المديونية لها وظيفتان؛ الوظيفة الأولى، هي تنشيط الاقتصاد وتحفيزه من خلال الاقتراض بهدف الإنفاق الرأسمالي الذي يولّد دخلاً للدولة ويخلق فرص عمل لطالبي الوظائف، وبالتالي يرفع من نسبة النمو. والوظيفة الثانية، هي وظيفة سد عجز الموازنة بسبب عدم نجاح الحكومة في إدارة النفقات بما يتوافق مع الإيرادات، بحيث يصبح هذا العجز نزيف تضطر فيه الحكومة إلى الاستدانة لمعالجة العجز. لافتاً إلى أن الحكومات المتعاقبة قامت باستخدام المديونية للغرض الثاني فقط، وهو سد العجز في الموازنة، وبهذه الطريقة عاشت الموازنة خلال الفترات الماضية. ويرى البشير إلى أن ذلك يعود إلى عدم الجدية في الإصلاح السياسي الذي به يتجدد الفريق الاقتصادي السياسي الذي يستطيع أن يعالج الاختلال في السياسات المالية وبالأخص السياسات الضريبية، ويعمل على هدم الفجوة في الدخول بين المؤسسات والأفراد على حدٍ سواء، بحيث تكون للسياسة الضريبية الدور في إعادة توزيع الثروة الذي يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد، وبالنتيجة رفع نسبة النمو والتخفيف من وطأة البطالة ومتلازمتها الفقر، وأيضاً بالنتيجة تخفيض ميزان المدفوعات والعجز بالميزان التجاري بشكل عام.
ويتفق الأستاذ حسني الصعوب المختص بالشؤون الاقتصادية مع ما ذهب إليه البشير، حيث يؤكد على أن سياسات التقشف التي اعتمدتها الحكومة ورفع وتشويه النظام الضريبي وإقرار القوانين المتعلقة به اثقلت كاهل المواطنين وهي بداية متعمدة لاضمحلال الطبقة الوسطى للادنى، والتي هي المحرك الاجتماعي بنموذجها الغالب في دفع عجلة الاقتصاد للامام والتي هي ايضا تعزز الفكر الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يحرك عجلة المجتمع وفق روافع فكرية واقتصادية وبرامج واقعيه تضعها القوى السياسيه واحزابها ومشاركة المجتمع في صتنع ما يريد من نماذج سياسية واقتصادية. ولفت الصعوب إلى ان عدم وضوح الرؤيا للحكومة (بالرغم من انها تعبر عن مصالحها) لما هو مستجد في المنطقة واعادة الاصطفافات الاقليمية يجعل من الضروري عليها ان تنتج قانونا انتخابيا معتمدا اساسا على القوى السياسيه وفكرها السياسي ومشاركتها في وضع القرار الذي هو بدوره المحصلة الاقتصادية للمجتمع وتقدمه. يبدو أن الحكومة تحولت إلى أداة تنفيذية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وليس كصاحبة قرار، فلم نلحظ وقفة حكومية جادة أمام ما نتائج هذا البرنامج سواء من ناحية ارتفاع الدين العام أو ارتفاع العجز في الموازنة أو –وهو الأهم- الاضمحلال والتقلص التدريجي للطبقة الوسطى نتيجة السياسات الحكومية الضريبية.