أخبار محلية

تداعيات رفع الأسعار على الإقتصاد الأردني / عبد المجيد الخندقجي

تلجأ معظم الدول الفقيرةـ والتي تعاني من عجوزات حادة في الموازنات العامة والحسابات الجارية، والموازين التجارية كما ترزح تحت مديونيات عامة ثقيلة ومهلكة، تلجأ إلى حلول غالباً ما تمس مستوى المعيشة لدى معظم الشرائح الاجتماعية وبشكل خاص الفقراء وذوي الدخل المحدود في محاولة منها للحد من تفاقم هذه العجوزات ومن هذه الحلول فرض مزيد من الضرائب ورفع الدعم أو تخفيضه عن السلع والذي من شأنه أن يؤدي إلى رفع أسعارها وأسعار الخدمات معها ورفع الأسعار هو شكل من أشكال التضخم المالي أو أحد إفرازاته وله انعكاسات سلبية للغاية على اقتصاديات الدول وعلى القوة الشرائية للعملات المحلية والقدرة الشرائية للمواطنين.

وقرارات رفع الأسعار في الواقع إما أن تكون ذات طابع سيادي يأخذ في الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية الداخلية أو تكون نتيجة إملاءات من صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين أخذا في هذه الأيام يتحكمان بالمجريات الاقتصادية وطريقة إدارة الاقتصاد.
والأردن يعاني من كل المشاكل والأزمات الاقتصادية التي يمكن معرفتها، وفي مقدمة هذه الأزمات أزمة المديونية العامة، والتي بلغت حسب الأرقام الرسمية حوالي (35) مليار دولار. كما يعاني الأردن من عجز في الموازنة العامة يبلغ حوالي (3) مليار دولار وعجز في الحساب الجاري يصل إلى (1.135) مليار دينار.
ولعل من المفيد الإشارة إلى وجود علاقة قوية بين تفاقم أزمة المديونية الخارجية وارتفاع الأسعار ومشكلات الغلاء، فعندما يبدأ الاقتصاد المدين في دفع أعباء المديونية الخارجية (أقساط + فوائد) فإنه يتعين عليه أن يخصص جانباً من موارده المحلية للوفاء بهذه الأعباء، الأمر الذي يؤدي إلى خفض حجم الموارد المحلية المتاحة للتصرف في أغراض الاستهلاك والاستثمار من هنا يبدأ تأثير الديون على المستوى العام للأسعار. وتشير الخبيرة الاقتصادية العالمية انجهام بربرا إلى أن ارتفاع الأسعار لا ينجم عن التضخم فقط، بل وعن سياسات الاحتكارات أيضاً والتي ترفع الأسعار إلى درجة مفرطة.
والملفت في مجال ارتفاع الأسعار، أن الناس يلاحظون أحياناً أن أسعار بعض السلع قد انخفضت فيعتقدون أن المسألة عرض وطلب، وهذا شأن الاقتصاد الرأسمالي، لكن حسب الخبيرة العالمية دايسا مايسون، فإن السلع الأساسية تمر بدورة فائقة، حيث تصل أسعار السلع إلى أعلى مستويات الارتفاع ثم لا تهبط إلا إلى أعلى مستويات الانخفاض، ولكن في هذه الحالة يكون الارتفاع الشاهق للأسعار قد فعل فعله بالطبقات الفقيرة وبالاقتصاد بشكل عام، من حيث رفع نسبة التضخم وتفويض مستويات المعيشة.
ومن الطرق التي تؤدي إلى رفع الأسعار، الإمعان في فرض الضرائب، والأردن من الدول المشهورة في عدد الضرائب التي تفرض على السلع والدخول وكل شيء، وكلما انخفضت حصيلة الضرائب تصدر الحكومة قوانين بضرائب جديدة والواقع، حسب نظرية لافر فإن التمادي في فرض الضريبة قد يكون سبباً في انخفاض حصيلتها، وهكذا لكي ترفع الحكومة من الإيرادات الضريبية تفرض ضريبة جديدة. مشكلة الأسعار إذن أصبحت أم المشاكل في الأردن، فهي تكاد تتغير يومياً، يشتري المواطن سلعة ما اليوم بسعر معين يفاجأ في اليوم التالي بارتفاع سعرها من جديد، وذلك عائد لتلاعب التجار في ظل غياب رقابة على الأسعار، وبات حدوث انخفاض في الأسعار أمراً نادر الحدوث كما أسلفنا بالنسبة لكافة السلع والخدمات، وهذا أحدث حالة من عدم الإستقرار المعيشي، خاصة وإن ارتفاع الأسعار يترافق مع ارتفاع مستويات البطالة والفقر، وثبات الأجور. ويطال ارتفاع الأسعار ارتفاع إجارات السكن وهذا أدى إلى تشتيت الأسر، وازدياد الشكاوي القضائية في المحاكم، وأدى إلى النزاعات الاجتماعية وأصبح أكثر من (75%) من الشعب الأردني يفتقرون إلى الاستقرار وإلى توفير أبسط الحاجات اليومية.
وارتفاع الأسعار لا تقتصر تداعياته على معيشة المواطن والفقراء وذوي الدخل المحدود خاصة. بل أدى إلى تآكل المداخيل، وأصبح الموظف لا يكفيه راتبه لتغطية متطلبات الحياة، سواء السكن أو العلاج أو أقساط المدارس وتكاليفها وأقساط الجامعات والمواصلات وتسديد فواتير المياه والكهرباء.
كما أدى رفع الأسعار إلى تآكل الطبقة الوسطى التي عادة ما تساعد في استقرار وأمن المجتمع، كما أدى إلى تقليص الاستيراد للسلع ذات الجودة وانتشار السلع السيئة، وأصبح المواطن يبحث عن السلعة الرخيصة الثمن ويضطر إلى الذهاب إلى المولات ليحصل على طلبه بين العروض، وفي الغالب تكون السلعة فاسدة، وحبذا لو اقتصر أمر رفع الأسعار على مستوى معيشة المواطن الأردني، لكن الأسوأ انعكاسات ذلك على مجمل النشأة الاقتصادي والاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة، بل بات يشكل إرباكاً لقطاع العمل، وفي هذا الصدد طالب رئيس جمعية حماية المستهلك بوضع دراسة علمية توضح الآثار السلبية لقرار رفع الأسعار الذي أصدرته الحكومة الشهر الماضي، وتم فيه رفع أسعار المحروقات، بنزين، ديزل، كيروسين، على تكاليف الإنتاج والاستيراد قبل إقرار نسب الزيادة المزمع اتخاذها على أسعار الكهرباء ومشتقات البترول.
من جهته اعتبر الخبير الاقتصادي خالد الوزني أن رفع الدعم الحكومي عن عدد من السلع يشكل تشوهاً للعديد من مظاهر اقتصاد الدولة، خصوصاً العبء الذي يشكله على القطاع المالي، وأثر ذلك على حجم المديونية العامة.
وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فسوف يؤدي ذلك إلى ظروف تضر بالقوة الشرائية للعملة المحلية الدينار، وهذا سينعكس سلباً على الشريحة الأوسع من المواطنين.
لا شك أن ثمة حلول للتخلص من تداعيات ارتفاع الأسعار حتى وإن كانت مؤقتة، حيث يقترح خبراء الاقتصاد تخفيض النفقات الحكومية بمعدل (10%) سنوياً، وهذا حسب خالد الوزني يوفر (500) مليون دينار سنوياً، وكذلك إلغاء أو دمج المؤسسات العامة المستقلة والتي تعمل على زيادة عجز الموازنة (1.800) مليار دينار، وتطبيق سياسة ضريبة تصاعدية على الدخول (أي زيادة نسب الضريبة بارتفاع شريحة الدخل) وأخرى في إطار ضريبة المبيعات (زيادة نسبة الضريبة بزيادة كمالية السلعة).
لقد تولد عن قرارات رفع الأسعار انعدام الثقة بالحكومة أي حكومة، لأن كل حكومة تأتي وفي جعبتها برنامجاً لرفع الأسعار لأنها ترى في ذلك أسهل الحلول على المواطن الغلبان الذي لا يقدر على فعل شيء ولو حتى التعبير عن معاناته وقهره في ظل غياب حرية الرأي، وتغول أجهزة الأمن وكيف يثق المواطن في حكومة لا تظهر أية مصداقية أو شفافية في إطلاع المواطن على حقيقة الأمور، فهي أي الحكومات تزعم منذ أكثر من ربع قرن بأن رفع الأسعار، ورفع الدعم عن السلع، وفرص الضرائب إنما يعود سببه إلى ارتفاع حجم المديونية وعجز الموازنة، في حين لا المديونية تقلص حجمها ولا عجز الموازنة تم تخفيضه. إذن أين تذهب الضرائب وفروقات الأسعار يسأل المواطن؟؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى