تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية / عبدالمجيد الخندقجي
يقول رافي بترا في كتابه الانفجار الاقتصادي الكبير، بأن التفاوت في توزيع الثروات يسمح بظهور نظام مصرفي هش وبروز «نفّاخة» المضاربة التي ستنفجر عندما تضربها أية حادثة ركود اقتصادي، وإن ترافق الركود مع انهيار النظام المصرفي يولد أزمة اقتصادية كبرى.
وإذا تذكرنا أزمة (1929) لابد أن نذكر أن التفاوت في توزيع الثروات وصل إلى الذروة، وكانت (1%) من العائلات الأمريكية فقط تملك أكثر من (36%) من الثروة القومية.
وبعد (79) عاماً انفجرت أزمة اقتصادية عام (2008) في الولايات المتحدة شكلت نقطة مفصلية في تراجع أو صعود اقتصاديات الدول العظمى، الولايات المتحدة، الصين، ثم الاتحاد الأوروبي المرشح الأقوى لخلافة أمريكا وهيمنتها على العالم.
لقد كانت لهذه الأزمة انعكاسات كبيرة، وأثرت على خارطة توزيع القوى الدولية، ومن هنا ظهرت دراسات عديدة، وأدلى علماء وخبراء الاقتصاد بآرائهم، فمنهم من أشار إلى أن أزمة (2008) بكل تداعياتها التي لا زالت تخيم على دول العالم لا بد وأن تؤدي إلى أفول الهيمنة الأمريكية على العالم، وبالتالي نهاية كل المعطيات والمسلمات في العلاقات الدولية.
لكن كان هناك في المقابل من يشير إلى أن عصر أفول الامبراطوريات الكبرى قد انتهى، وأن أمريكا لا تزال وستظل إلى أمد بعيد القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة، لأنه لا توجد دولة أقوى منها قادرة على إزاحتها من هذا الموقع.
أزمة (2008) لها أسباب وتداعيات شبيهة إلى حد كبير بأسباب وتداعيات أزمة (1929)، والأزمتان اندلعتا مع (الفارق في ظروف سياسية ومعطيات إنتاج) مختلفة نتيجة إفلاس البنوك والمصارف والمؤسسات المالية والعقارية وشركات التأمين بسبب نقص السيولة حيث ارتفع حجم المديونية العقارية إلى نحو (6) تريليون دولار، وارتفاع حجم الديون على الشركات إلى (18.4) تريليون دولار.
وقد أدى ذلك إلى تدهور الاقتصاد الأمريكي حيث بلغت نسبة الانكماش ما بين (0.2%) و (1.1%)، وهنا تراجعت قيمة الدولار وتزايد حجم الدين العام حتى وصل عام (2016) إلى (19) ترليون دولار أي ما نسبته (78.9%) من الناتج المحلي الاجمالي، وارتفع معدل التضخم إلى (1.5%) عام (2017) وارتفعت البطالة لتصل إلى (4.7%)، وانخفض مستوى المعيشة، فقد بلغ عدد من حافظوا على مستوى حياة جيدة (86) مليون نسمة من أصل (324) مليون نسمة عدد السكان.
هذا التدهور في الاقتصاد الأمريكي جعل الخبراء الاقتصاديون يجمعون على أن أمريكا مقبلة على مرحلة من الخطر بحيث تؤثر على مستقبل القوة الأمريكية.
وكما أشرنا، فقد امتدت تداعيات الأزمة لتلقي بثقلها على اقتصاديات الدول الكبرى. ففي الصين ثاني اقتصاد في العالم، كان الناتج الصيني قبل الأزمة (14.2%) نمو. تراجع بعد الأزمة إلى (9.6%) و (9.2%) مع أنه عاد يرتفع عام (2010) إلى (10.6%) واعتبر ذلك استثناء وهذا جعل الخبراء يرون أن الاقتصاد الصيني رغم التراجع قادر على قيادة الاقتصاد العالمي، لكن سرعان ما بدأ نمو الاقتصاد الصيني بالتراجع وليصل عام (2015) إلى ما دون (7%).
لعب الاقتصاد الخاص دوراً مهماً في النمو الاقتصادي الصيني حيث ساهم بحوالي (75%) من اجمالي الناتج المحلي وفي (90%) من الصادرات.
بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي، كان التأثير السلبي لأزمة (2008) كبيراً، فقد دخلت أوروبا في أزمة ركود عميقة خاصة عندما برزت أزمة الديون في اليونان وإسبانيا والبرتغال، وخفضت السيولة في هذه الدول، مما أدى إلى رفع نسبة الفائدة، وكما هو معروف، فإن الانتاج في الاقتصاد الرأسمالي يقوم على اساس الملكية الفردية، وجهاز الائتمان يلعب دوراً حيوياً في توزيع قوى الانتاج، وتشكل النقود في الاقتصاد الرأسمالي وسيطاً للتبادل. ولكن لا يجب أن ترتفع الأسعار بسبب فائض كمية النقود المتبادلة.
ولذلك عانت دول الاتحاد من تراجع نسبة التضخم ووصلت إلى (4%)، وهنا تم رفع نسبة الفائدة لإنعاش الاقتصاد.
وإذا كان للأزمة أن تولد تداعيات اقتصادية، فهي ولدت تداعيات سياسية واجتماعية خطيرة خاصة مع تزايد الاحتجاجات الشعبية، فقد تصاعدت شعبية الخطاب اليميني للحركات والأحزاب السياسية، ساعدها في ذلك إجراءات التفتيش التي لاقت رفضاً شعبياً عارماً. وحصلت القوى اليمينية على نسب لم تكن تحلم بها في الانتخابات.
ويرى بعض الخبراء أنه إذا ما تحالفت هذه القوى مع قوى ودول مناهضة لامريكا مثل روسيا والصين فإن من الصعب بقاء الزعامة الأمريكية، وفي ذلك اشارت مجلة (يو.اس. توداي) إلى أن (75%) من (21) ألف شخص شاركوا في استطلاع رأي أعلنوا انهم لم يعودوا يحترمون القيادة الأمريكية بعد الانتخابات الأخيرة.
إن صعود شعبية القوى اليمينية في أوروبا وأمريكا كان من أبرز تداعيات الأزمة الاقتصادية التي عصفت ولا تزال باقتصاديات دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة.