تأخرت يا أحمد / د. رياض النوايسة
وعلم آدم الأسماء كلها كما أخبر القرآن الكريم، وكان عِلم آدم هذا متزامناً مع استخلافه في الأرض وووطئه لها لأول مرة. فتعليم الأسماء متعلق بالأرض وآدم الانسان ومقتضى ضروري للعلاقة بين الاثنين كما في قانون السماء وكذلك قانون الأرض.
علم الأسماء شأن إلهي وصنو للإنسان ابن الأرض، وقد حباه الله سبحانه وتعالى هذا العلم استثناءً عن كل المخلوقات وجعل مناطه عقل الإنسان الذي بدوره هو محل التكليف والنظر لدى هذا الآدم الانسان.
والملاحظ هنا أن المنتج: الاسماء، العلم، المعرفة…، هي المراد الأول، وأن عملية الإنتاج: الدفاع، الحواس العقل… هي المستزلم لخلق الأسماء، أو تواضعها، ولنا أن نتصور بعد ذلك مقامة ما نعرف به ما يميزنا عن بعضنا.
أمة العرب حاضنة الرسالات السماوية التأملية والرسولية تدرك تلك الأهمية البالغة منذ القدم وقد قال قائلهم أن لكل إنسان من اسمه نصيب، وهكذا كانوا يختارون لأطفالهم أسماءً تدل على ما يتمنون لهم حياتياً. وقد أكثروا من تحميص الأسماء، ودالتهم في ذلك السعادة والخير والأمل المرجو. وقد تجاوزوا دنياههم صوب السماء عن إرداة، فكان أن حمّدوا أبناءهم مع علمهم أن الحمد لا يكون الا لله وليس لعباد الله، قاصدين من ذلك السمو في الكمال لذلك الابن أو الابنة.
مناسبة الاطالة! المدخل هذا أحمد الدقامسة الذي له من اسمه نصيب والذي يتهيأ الآن لنيل حريته المسلوبة منذ عشرين عاماً دونما سبب سوى انتصاره لأرض الله وإنسان الله، وحق الله. فكان انتصاره هذا جرماً كبيراً بحكم قانون الواقع والقوة والإجرام، استحق بموجبه قهره وحبسه وإخراجه من الحياة، وحدد كل حقوقه وأسرته كلّ هذا الزمن الثقيل.
قانون الجريمة الذي اعتدى على احمد المحمود في السماء وفي وجدان الشرفاء من العرب، كان قانون وادي عربة الذي املته الإدارة الصهيونية الاجرامية بالتلاقي مع ارادة الاستنحناء السلطوية الأردنية وعلى هامش مثيلات لها في كامب ديفيد وأوسلو… حيث كان العدوان والإجرام متبادلاً من الطرفين، الأول يغتصب ويقتل ويشرد ويصادر الحاضر والمستقبل، والثاني يعدم الدستور ويفرط بالأرض والانسان والقيم ويتعهد بحماية المجرم الغاصب بحيث بادر إلى انتهاك الدستور وإبرام وادي عربة دون أن يكون له صلاحية أو حق بذلك، ثم زاد عليها بأن ألغى كافة القوانين الدستورية التي كانت تجرم العدو وتمنع من تماديه على ساحة المجتمع.
وعندما سادت وادي عربة وقوانينها ومؤسساتها في غفلة من أحمد المحمود الدقامسة لم يكن يعلم أحمد بما تركته من آثار ومفاعيل في الواقع، بل كان ومازال ذلك الجندي العربي الذي يتذكر في طفولته قنابل النابالم المحروقة تتساقط على إخوته الجنود ممن سبقوه وعلى أهله، ويتذكر تهجير اخواته وطردهم من غرب النهر الخالد… ويذكر الشهداء، وعروبة فلسطين وأردنة الضفة الغربية، وقيم الرجولة والجندية، واتجاه تصويب السلاح، وصحة ودقة أمر النار وإرث العرب المسلمين وأمتهم العظيم القائم على المروءة والكرامة والعزة …
فكان عندما راعه قطيع الصهاينة وهو يصلي وعلى آخر شبر من أرضه يحرسه ويسهر عليه، أو مر داهمنه وسخرن منه ومن أرضه وقومه وتاريخه وعقيدته وكل كيانه، حينها كان صادقاً مع نفسه وأمته وتاريخه، فنفذ قانون الحق والخلق والقيم، قانون الأمة العربية الواحدة، قانون فلسطين العربية، قانون ردع الغزاة والغاصبين، فكان ماكان من فعل بطولي زلزل أعماق كيان الصهاينة وأصاب أتباعهم بالهلع والهستيريا إلى الحد الذي جعلهم يحنقون ويحاسبون من أبقى عليه حياً ولو في جهنم الزنازن والتعذيب.
اليوم يا أحمد المحمود يا من تستحق الحمد، ويا أيها الشهيد الحي، وأنت تستعد لتنال حريتك، أقف أمامك وكل الشرفاء للنظر في جبهتك الوضاءة المتعالية في سمت السماء ولا ندركها، ولنستبين الشرف الرفيع الذي حزته علنا ندرك نصيب، ولنركع أمام صبرك وجلدك وثباتك وانتمائك وإيمانك وفطرتك السوية، ونصلي في محرابها كما نقف في محراب كايد المفلح العبيدات ومحمد الحنيطي والملازم هيكل الزبن والقسام وعبد القادر الحسيني وآلاف الشهداء ومئات الأسرى في سجون الاحتلال البغيض وأنظمة التبعية والتسلط.
عذراً يا أحمد المحمود الدقامسة من قصورنا وخذلاننا فلقد أتيت متأخراً في زمن وادي عربة ودون علم منك، لكنك أتيت بطلاً مقداماً وفارساً عربياً مضحياً، ونحن لم نأتِ، وهم من هم لم يأتوا ولن يأتوا الا على صهوات خيول صهيون كما يستحقون.