بين أزمتين / ماجد توبة
تغري الانفراجة الاستراتيجية التي شهدها ملف أزمة كوريا الشمالية مع محيطها ومع الولايات المتحدة الأميركية، المراقب لاستحضار مقارنات بالأزمة المشتعلة بالشرق الأوسط بين إيران من جهة وبين كتلة عربية تتصدرها السعودية والدول الخليجية، وتفرض أيضا على هذا المراقب استنطاق واستقراء الفرص الضائعة على صعيد الأزمة مع إيران، والتي تركت وما تزال النيران مشتعلة في غير بؤرة، في سورية والعراق واليمن وبعض دول الخليج، بل وتهدد بالمزيد من التصعيد والآثار الكارثية على المنطقة وشعوبها.
هناك أوجه تشابه رئيسية بين الأزمتين رغم تباعد المسافات بين الشرقين الأقصى والأوسط، فالأزمة الكورية موضوعها الساخن الرئيسي هو الملف النووي وصواريخها الباليستية، بدعوى تهديدها أمن الولايات المتحدة ودول الجوار التي تدور بالفلك الأميركي، وتحديدا كوريا الجنوبية واليابان، فيما الأزمة مع إيران موضوعها الأسخن هو الملف النووي والقوة العسكرية التي تغري بمد النفوذ بالمحيط. كما تتشابه الأزمتان الى حد ما بالبعد الإيديولوجي السياسي، فمشكلة كوريا الشمالية بالنسبة لجارتها وللولايات المتحدة أن نظاما شيوعيا يحكمها، فيما تتهم إيران من قبل المحور العربي المناوئ بالرغبة بتصدير ثورتها وإيديولوجيتها بمحيطها العربي.
اليوم؛ تصل الأزمة مع كوريا الشمالية إلى انفراجة استراتيجية مهمة، بعد أن وصلت قبل أسابيع قليلة فقط إلى حافة الهاوية بتقدم الخيار العسكري حد التلويح باستخدام النووي. الواضح أن الدبلوماسية والقنوات الخلفية للحوار وصوت العقل والمصالح السياسية تغلبت على صوت قرع طبول الحرب والتصعيد والخيار العسكري، الذي كان يمكن أن يؤدي الى أول حرب نووية منذ الحرب العالمية الثانية!
أما في شرقنا المنكوب، وعلى صعيد الأزمة العربية مع إيران، وهي لا تقل خطورة في مآلات تصعيدها المحتملة عن خطورة الأزمة الكورية، فإن الغائب هو الدبلوماسية وقنوات الحوار، فيما تحضر حروب الوكالة والاشتباك ببؤر صراع ساخنة عبر أدوات محلية وغير محلية، وضخ للسلاح والمال والتصعيد السياسي، مع حضور طاغ، قد يكون الأخطر في كل الأزمة، للسلاح الطائفي والديني التقسيمي بين السنة والشيعة، وعدم التورع باستخدام وإذكاء هذا السلاح لتحقيق مصالح سياسية على حساب الطرف الآخر، من دون مراعاة لحجم الآثار الكارثية لمثل هذا السلاح على حاضر ومستقبل الشعبين العربي والإيراني، اللذين لا يمكن أن يكون لهما انفكاك من الجغرافيا ولا التاريخ.
وللأسف، أن الجانب العربي في الأزمة مع إيران فوت فرصة تاريخية كبرى بحرف صراع المصالح والنفوذ مع إيران الى قنوات الحوار الاستراتيجي والدبلوماسية للوصول الى تسوية ما تغلق ملفات الصراع المشتعلة بين الطرفين في غير ساحة عربية. ونقصد بهذه الفرصة الاتفاق التاريخي الذي توصل اليه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة إبان إدارة باراك أوباما السابقة، قبل أن تعود إدارة ترامب اليوم الى محاولة نقض الاتفاق والعودة عنه. الطرف العربي لم يكتف فقط بعدم الدخول باتفاق الدول الكبرى مع إيران أو الدخول بحوار مواز معها وصولا إلى اتفاق إقليمي، بل اختار المعارضة للاتفاق الدولي إلى الدرجة التي رحب فيها هذا الطرف العربي برحيل إدارة أوباما وقدوم إدارة المتطرف والأهوج ترامب.
الراهن اليوم؛ أنه ليس من مصلحة إيران ولا من مصلحة الدول العربية والخليجية استمرار الصراع والتأزيم بين الطرفين، فأضرار استمرار وتصعيد مثل هذا الصراع ماثلة أمامنا اليوم، استنزافا للموارد والطاقات، ودمارا وهدرا للأرواح، وتقسيما في اليمن وسورية والعراق وغيرها، وتكريسا لصراعات وانقسامات طائفية خطيرة بالعالم الإسلامي ينفذ منها الإرهاب والتطرف، والذي يدفع ثمنه الطرفان.
الوصفة التي تقدمها إدارة الأزمة الكورية وما وصلته من انفراجة مهمة، قابلة للاستنساخ في الأزمة العربية مع إيران، والمدخل الأساسي هو البحث عن حوار استراتيجي بين الطرفين يرسم الخلافات والمصالح، ويبحث عن حلول وسط بما يسحب فتيل الأزمات وينهي حروب الاستنزاف للطرفين.
نقلا عن الغد