بيان إطلاق الائتلاف الوطني من أجل تشريعات عمل عادلة

في ضوء التحديات العميقة التي يشهدها سوق العمل الأردني، وما تتركه من انعكاسات مباشرة على استقرار علاقات العمل وضمان الحقوق والحمايات الضرورية للعمال، وفي ظل ما شهدناه من تعديلات متكررة طالت التشريعات الأساسية مثل قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي والأنظمة المرتبطة بالخدمة المدنية دون أن تستند إلى رؤية شاملة أو حوار وطني فعال يرتكز إلى المعايير الدولية وقواعد حقوق الإنسان، نعلن اليوم عن إطلاق الائتلاف الوطني من أجل تشريعات عمل عادلة، الذي يضم في عضويته أحزابا سياسية، ونقابات عمالية ومهنية، ومنظمات مجتمع مدني، وخبراء وأكاديميين ونشطاء في مجالات حقوق الإنسان والعمل، ليكون إطارا وطنيا جامعا يسعى إلى ضمان تكريس القواعد الأساسية لحقوق العمل في هذه التشريعات، وتطويرها بما يعزز مبادئ العدالة والتوازن والاستقرار ويخدم أهداف التنمية المستدامة في الأردن.
ينطلق هذا الائتلاف من قناعة راسخة بأن حماية الحقوق والحمايات في عالم العمل ليست شأنا خاصا بالعمال أو أصحاب العمل وحدهم، بل قضية وطنية تمس جوهر العدالة الاجتماعية وتنعكس آثارها على الأمن الاقتصادي والاجتماعي للدولة بأكملها، وهو التزام أقره الدستور الأردني وترسخه المعايير الدولية التي انضمت إليها المملكة، وبخاصة تلك الصادرة عن منظمتي العمل الدولية والعربية والتي أرست أسس وشروط العمل اللائق وحددت الحقوق والمبادئ الأساسية في إطار منظومة ثلاثية تضم الحكومات وأصحاب العمل والعمال.
ويأتي تأسيس هذا الائتلاف في وقت يشكل فيه العاملون في القطاع غير المنظم أكثر من نصف حجم القوى العاملة في المملكة، يفتقد معظمهم إلى الحمايات القانونية والتنظيمية ويواجهون مخاطر العمل دون أمان اقتصادي أو اجتماعي، الأمر الذي يتطلب معالجة تشريعية متخصصة تكفل شمولهم بالحمايات القانونية، وتنظم علاقات عملهم بما يسهم في انتقالهم إلى العمل المنظم، ويوفر لهم الحد الأدنى من الحقوق والالتزامات المعترف بها دوليا والتي اتفقت عليها الحكومات والشركاء الاجتماعيون ضمن معايير العمل اللائق.
ويضع الائتلاف نصب عينيه ضرورة أن تحافظ جميع التشريعات العمالية وفي مقدمتها قانون العمل، على القواعد الجوهرية لحقوق العمل التي ضمنها الدستور الأردني والتزمت بها المملكة من خلال عضويتها في منظمتي العمل الدولية والعربية، وتشمل هذه القواعد ضمان توفير شروط العمل اللائق لجميع العمال دون أي شكل من أشكال التمييز في الاستخدام والمهنة، سواء في الأجور أو في فرص التوظيف، وظروف وبيئة العمل، وفرص التدريب والترقي والامتيازات، كما تشمل القضاء الفعلي على جميع أشكال العمل الجبري أو الإلزامي، وعمل الأطفال، وتعزيز وحماية الحرية النقابية والحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية وفقا لما نصت عليه معايير العمل الدولية.
كما يؤكد الائتلاف على أهمية معالجة الجوانب المرتبطة بقانون الضمان الاجتماعي انطلاقا من المواقف الثابتة للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية التي طالما طالبت بضمان شمول جميع العاملين في الحماية الاجتماعية دون استثناء، وحماية أموال الضمان باعتبارها حقوقا مكتسبة للأجيال الحالية والمستقبلية، وتعزيز أسس العدالة في احتساب الرواتب التقاعدية والتأمينات بما يحفظ كرامة المؤمن عليهم ويضمن عدم اتخاذ أي إجراءات تمس مستحقاتهم أو استدامة الصندوق.
أما فيما يتعلق بأنظمة وتشريعات الخدمة المدنية، فيرى الائتلاف أن التعديلات الأخيرة قد قوضت إلى حد بعيد معايير العدالة والاستقرار الوظيفي، بعد أن ألغت عمليا الأمان الوظيفي وأخضعت الموظف العام بالكامل للسلطة التقديرية للرئيس المباشر، وحرمت الغالبية الساحقة من الموظفين من امتيازات التأمين الصحي والرواتب العادلة، وعمقت الفجوة بين العاملين من خلال ما يسمى «تسعير الوظائف» والتقييم الإجباري وفق التوزيع الطبيعي، على حساب الاعتبارات الموضوعية للأداء، الأمر الذي ينذر بمزيد من الإرباك في المؤسسات العامة وبتراجع حقوق العمل في القطاع الحكومي.
ويؤكد الائتلاف أن أي إصلاح حقيقي في تشريعات العمل كافة، سواء تعلق بقانون العمل أو قانون الضمان الاجتماعي أو أنظمة الخدمة المدنية، يجب أن ينطلق أولا من حوار وطني شامل وفعال، يشارك فيه ممثلو العمال وأصحاب العمل والحكومة ومنظمات المجتمع المدني، لضمان أن تأتي الإصلاحات متسقة مع الواقع الأردني وملتزمة بالتزامات الأردن الدولية، وأن تحافظ على التوازن في علاقات العمل وتصون الحقوق والحمايات المكتسبة لجميع الأطراف دون أي تراجع.
كما يشدد الائتلاف على ضرورة أن تواكب هذه الإصلاحات أنماط العمل الحديثة التي أفرزها التطور التكنولوجي، مثل العمل المرن والعمل عن بعد، وأن تولي اهتماما خاصا بتهيئة بيئة عمل صديقة للمرأة تراعي مسؤولياتها الأسرية وتحميها من التمييز، وتكفل لها المساواة في جميع فرص التدريب والترقي وسائر الامتيازات، ويرى أن معالجة اختلالات سوق العمل لا تتم فقط بتنظيم العمالة الوافدة، بل تبدأ أساسا بتحسين شروط العمل والأجور وتقليص ساعات العمل وتوفير بيئة عمل لائقة ومعاهد تدريب مهني ملائمة تشجع الأردنيين على الانخراط في مختلف القطاعات.
يتطلع الائتلاف الوطني حول تشريعات العمل إلى توسيع قاعدته ليضم أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني والخبراء والنشطاء، لتشكيل قوة مجتمعية قادرة على حماية حقوق العمال والدفاع عن العدالة الاجتماعية وصون مكتسبات العمل في الأردن، ويوجه الائتلاف رسالة واضحة إلى صناع القرار مفادها أن التشريعات العمالية لا يجوز أن تكون رهينة اجتهادات ضيقة أو تعديلات مجتزأة بلا أسس موضوعية، بل يجب أن تكون ثمرة حوار جاد قائم على الدستور والمعايير الدولية، ضمانا لاستقرار سوق العمل وتعزيزا للثقة في مستقبل الاقتصاد الوطني.