بوليفيا.. الشعب يطالب بعودة الرئيس
بعد ثلاثة أسابيع من موجة من الفوضى والتوتير أشاعها مؤيدو كارلوس ميسا رئيس وزراء بوليفيا السابق، ومنافس ايفو موراليس، دخلت البلاد بالعديد من نواحيها، إلى مرحلة من الشلل التام، فيما أعلنت المعارضة عن الاضراب المفتوح، وأغلقت الشوارع والطرقات الرئيسية، رافقه تمرد لضباط الشرطة في بعض المدن الرئيسية.
ظهر الرئيس موراليس عصر يوم الأحد 11 نوفمبر، وأعلن عبر خطاب متلفز بأنه يستقيل من موقع الرئاسة، وقال في كلمة مقتضبة بأنه وقع ضحية انقلاب مدني سياسي وأمني، وأضاف: «بأن خطئي الوحيد هو أن أكون أصليا ونقابيا منتجاً «، وأنه يتخذ هذا القرار كوسيلة لتهدئة بوليفيا وتجنيب وقوع عنف بين البوليفيين، وكان قد أكد على وجود أمر اعتقال بحقه.
هكذا جاءت الاستقالة بعد مرور عشرون يوما على إعادة انتخابه بولاية جديدة فاز فيها موراليس بـ 47% من الاصوات، فيما حصل منافسه على 36.5%، وهكذا اعتبر الرئيس فائزا من الجولة الأولى مع حصوله على أكثر من عشر نقاط عن المرشح التالي.
رفضت المعارضة نتيجة الانتخابات على الفور، وطالبت بالغائها، وزاد من توتير الاجواء، التقرير الذي قدمه مراقبوا منظمة الدول الامريكية، والذي أشار بعبارات ملتبسة إلى عدد من «المخالفات لوحظت يوم الاقتراع، وأنهم لا يستطيعون التحقق من صحة هذه النتائج»، وأوصوا بإعادة الانتخابات. ارتكزت قيادة الجيش البوليفي على هذا التقرير لتبرير تدخلها، وهكذا أعلن قائد الجيش وليامز كليمان، الطلب من الرئيس التخلي عن فترة رئاسته للسماح بإشاعة الاستقرار، والحفاظ عليه من أجل مصلحة بوليفيا»!!
فور استقالة موراليس، أعلنت السيناتور جانين آنيز نفسها رئيسة انتقالية كونها النائب الثاني لرئيس مجلس الشيوخ الذي استقال بدوره، وسرعان ما رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بقرار آنيز وأعلن وزير الخارجية الأمريكي دعمه لتولي آنيز للرئاسة «لقيادة بلدها خلال هذا التحول الديموقراطي»!!
بعكس هذا الموقف الأمريكي المنحاز بشدة إلى الانقلاب، فقد تلقى موراليس دعما من العديد من قادة أمريكا اللاتينية، فنددت كوبا بالانقلاب العسكري وعبر الرئيس الكوبي ديازكانيل عن «تضامنه مع الاخ الرئيس إيفو موراليس» ودعا العالم إلى التعبئة «من أجل حياة ايفو وحريته»، وقد ردد الرئيس الفنزويلي مادورو عبارات التضامن وكتب «ندين بشدة الانفلات على الشقيق مورالي» داعيا إلى»التعبئة للمطالبة بالحفاظ على حياة الشعوب الأصلية البوليفية ضحايا العنصرية»، كما ندد الرئيس الارجنتيني المنتخب فرنانديز «بالانقلاب على الرئيس الشرعي موراليس». في حين دافعت حكومة المكسيك بقوة عن موراليس وصرح الرئيس أوبرادور بأننا نقدر الموقف المسؤول لموراليس «الذي فضل الاستقالة على تعريض شعبه لاعمال عنف» وأعلن في نفس الوقت استعداد المكسيك لمنحه حق اللجوء السياسي.
وقد أبدت موسكو انزعاجها من الانقلاب واتهمت المعارضة باطلاق العنان لموجة عنف في البلاد، وأنه يبدو بأن انقلابا منسقا قد أزاح جانباً مساعي الحكومة من أجل الحوار»، فيما دعا الاتحاد الأوروبي «جميع الاطراف إلى ضبط النفس»!!
وتميزت اسبانيا بموقف خاص، ندد بالدور الذي قام به الجيش والأمن.
في أول أيام ممارستها لمهامها، ووسط انطلاق احتجاجات عنيفة، عينت الرئيسة المؤقتة حكومتها من 11 وزيرا، بعد أن حصلت على موافقة الادارة الامريكية، وحددت 22 كانون ثاني القادم موعدا لاجراء انتخابات جديدة، (وهو بالصدفة اليوم الذي كان محدداً مسبقاً لتنصيب الرئيس موراليس رسميا على رأس الدولة) وأمرت باغلاق البرلمان الذي يتشكل من أغلبية تنتمي للحركة من أجل الاشتراكية.
بعد وصول موراليس إلى المكسيك اندلعت مظاهرات حاشدة تطالب بعودته إلى موقعه في السلطة، وبدت بوليفيا منقسمة بشدة، وتفجر التناقض بين الطبقات الوسطى، وأنصار موراليس من النقابيين والفلاحين والسكان الأصليين الذين يشكلون حوالي ثلثي سكان البلاد، ويهددون حاليا بحصار المدن الكبرى. وأضحى الحفاظ على النظام في بلد منقسم، مغامرة محملة بالمخاطر.
السؤال الذي بقي معلقا، لماذا حصل الانقلاب؟
رئيس انتخب ديموقراطيا، وقام خلال 14 عام في السلطة بتحقيق أكثر اعمال التحول طموحاً في بلاده بعد أن أعلنها «دولة متعددة القوميات»، فعمل إلى الحد من عدم المساواة، وحقق مؤشرات اقتصادية قياسية؛ إرتفع الناتج المحلي الاجمالي من 9 مليار دورال عام 2006 إلى 41 مليار عام 2018، وأصبح معدل النمو في بوليفيا هو الأعلى في أمريكا اللاتينية وعمل على استقرار العملة المحلية، وأمم قطاعي النفط والغاز فتحققت عائدات من هذا القطاع بلغ سبعة أضعاف ما كانت عليه قبل التأميم.
يحاول البعض ربط ما حصل في بوليفيا ضد موراليس، بنمط الاحتجاجات المنتشرة على نطاق واسع في العالم، ولكن في الواقع فإن ما ربط من أسباب بين هذه الاحتجاجات، تعددت بين بلدان أصابها الخراب بسبب اتباع سياسات نيوليبرالية، وتداعياتها الاجتماعية الاقتصادية، مثل التفاوت الفاحش في الاجور، وتفاقم البطالة وتفشي الفساد في الطبقة السياسية والسلطة. كما جاءت بعض الاحتجاجات بعد رفع مباغت في أسعار المحروقات أو الكهرباء أو المواصلات والاتصالات كما اشتعلت حراكات بسبب تدني الممارسة الديموقراطية وتردي الثقة بمخرجات صناديق الاقتراع.
في بوليفيا الأسباب اختلفت تماماً، في حين أن التدخل الخارجي عبر عن نفسه بصورة سافرة، رغم حصول انتخابات حرة أفرزت نتائج صريحة، وحكم لم يخترق الفساد. فتم تحريك معارضة لم تعد متأكدة من قدرتها على الوصول إلى السلطة عبر القنوات السياسية التقليدية، في ظاهرة تشي بانهيار الصفقة الكامنة في جوهر الديموقراطية على النمط البرجوازي وما تتطلبه من انصياع الأقلية الخاسرة لشروط اللعبة السياسية، والقبول بحكم الأكثرية، خاصة عندما تحصل هذه الاقلية على دعما من واشنطن تحت تأثير الضغط الشعبي. مؤخرا توصلت الحكومة المؤقتة، وبرلمانيون من حزب موراليس إلى اتفاق مبدئي لاجراء انتخابات رئاسية جديدة أملاً في أن يساعد ذلك في حل الأزمة السياسية.
من مدينة مكسيكو حيث يقيم، عبر موراليس عن استعداده للعودة إلى بوليفيا لتهدئة الوضع، وأضاف: إذا طلب شعبي ذلك، فانا على استعداد للعودة ، وأضاف سأعود عاجلاً أم آجلاً وأكد على أولوية الحوار الوطني لحل الأزمة، بينما تتظاهر جماهير الشعب البوليفي تطالب بعودة رئيسها.