بهجت أبو غربية شيخ المناضلين كان دوماً حيث أراد له شعبه أن يكون
بين ميلاد القائد بهجت أبو غربية في خانيونس في العام (1916)، وبين وفاته في عمان عام (2012)، هناك ثمانية عقود حافلة بالمبادرة والنضال والإقدام.
هذا الفقيد البهي الذي حمل روح الوطن وقلب الفدائي، كان سباقاً دوماً إلى الحدث والمكان، حيث أحبه شعبه أن يكون.
ينتمي أبو غربية إلى عائلة عريقة من مدينة الخليل، ولكنه أمضى معظم حياته في مدينة القدس التي عشق شوارعها الحجرية وتنسّم عبق التاريخ في أحيائها ومساجدها وكنائسها، فطبعت المدينة عذوبتها على روحه ووجدانه، وأرخت تضاريسها الأصيلة ملامح الروحانية والصلابة على إرادته وتفانى في خدمة القضية.
أنهى الفتى أبو غربية تعليمه الثانوي في المدرسة الرشيدية في القدس، وما لبث أن عمل في التعليم في الكلية الإبراهيمية في المدينة المقدسة خلال سنوات (36 _ 57). وعمل خلال نفس الفترة أيضاً وكيلاً ومراسلاً لجريدة ” الجامعة الإسلامية ” التي كانت تصدر من القدس، ويُذكر بأنه عندما كان فتى في الثالثة عشر من عمره ساهم مع أقرانه في ثورة البراق العام (1929)، قبل أن يتم قمعها من قبل المستعمر البريطاني.
عندما انطلقت شرارة ثورة (1936)، كان الشاب أبو غربية من طلائع المشاركين وحمل السلاح مع أقرانه من تلال يعبد إلى جبال الخليل، قبل أن تُجهض الثورة بالقمع الاستعماري الانجليزي الوحشي، وتقاعس القيادة الإقطاعية العاجزة وفشلها في تحقيق إنجازات وطنية ملموسة.
كان عمر الفقيد (31) عاماً عندما وقعت الحرب عام (1947)، فكان من أكثر المتحمسين للالتحاق بفصائلها المسلحة، وشكل عنصراً فاعلاً في قيادة جيش الجهاد المقدس، وخاض مع رفاقه معارك هامة ضد العصابات الصهيونية إلى جانب قامات كبيرة من رجالات بواكير النضال الفلسطيني المسلح، وبرز اسمه في معركة القسطل البطولية التي استشهد فيها القائد الشهيد عبدالقادر الحسيني، وقد أصيب أبو غربية بجراح عديدة أثناء المعارك، لم تثنه عن مواصلة القتال.
عرف عن الفقيد بأنه من أبرز المدافعين عن القدس في معارك (1948)، وتعرفه أسوار المدينة وحاراتها العتيقة وبيوت أهاليها، وعُرف بين أقرانه بأنه مقاتل مقدام لا مكان عنده لتراجع أو نكوص.
في العام (1949)، حمله تعلّقه بالنضال الفلسطيني ووعيه لأهمية النضال القومي إلى الانضمام لحزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن، وما لبث أن انتخب عضواً في القيادة القطرية للحزب بين الأعوام (1951 _ 1959)، وقائداً للجناح السري للحزب طيلة (3) سنوات خلال هذه الفترة.
في منتصف الستينات، ومع بدايات الجهود لبلورة الهوية الفلسطينية المناضلة، اضطلع الراحل أبو غربية بدور فاعل في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب رئيسها المؤسس أحمد الشقيري وثلة من الشخصيات الوطنية الفلسطينية، كما شارك فيما بعد بدور أساسي في تأسيس جيش التحرير الفلسطيني وذراعه الفدائي قوات التحرير الفلسطينية.
انتخب الفقيد في عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة ثلاث مرات قبل أن يتخلى عن عضويته في اللجنة التنفيذية حين استقال إحتجاجاً على قبول المنظمة لقرار مجلس الأمن (242)، والاعتراف المعلن بدولة العدو. كما شغل عضوية المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير حتى العام (1991).
في مرحلة انطلاق العمل الفدائي الشعبي، ساهم الراحل في تأسيس وقيادة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني وبقي قائداً ملهماً لها.
سُجن شيخ المناضلين عدة مرات في عهد الانتداب البريطاني، كما اعتقل وسجن في الخمسينات مرات عديدة في الأردن.
ترأس الراحل اللجنة العربية الأردنية لمجابهة الإذعان والتطبيع بين الأعوام (93 _ 95)، ورحل وهو عضو في اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني لحماية الوطن ومجابهة التطبيع.
ظل القائد أبو غربية دوماً على رأس الصفوف للدفاع عن فلسطين وقضيتها وحريتها وهويتها العربية، ولم يتزحزح عن مواقفه الثابتة بأن الكفاح المسلح هو الأسلوب الوحيد لاسترجاع الوطن السليب، لا بل زادته السنون صلابة وتمسكاً بحقوق شعبه ووقفت سنديانة الخليل دوماً في وجه كل دعوات التراجع والاستسلام، ورفض كل تسوية أو مساومة على طريق التحرير والعودة.
صدر للفقيد الجزء الأول من مذكراته تحت عنوان ” في خضم النضال العربي الفلسطيني ” عام (1993)، والجزء الثاني تحت عنوان ” من النكبة إلى الانتفاضة ” في العام (2004) وقد منعت دائرة المطبوعات والنشر الأردنية المذكرات لأسباب غير معلنة .؟!
ربط الفقيد بشكل خلاّق بين النضال الوطني والقومي التحرري، وعندما رحل عام (2012) في عمان، أوصى بأن يُلف جثمانه بالعلمين الأردني والفلسطيني. برحيله فقدت فلسطين والأمة العربية فارساً شجاعاً ورمزاً فكرياً وسياسياً ونضالياً فذاً.
لك المجد أيها المناضل الكبير، وعهداً من رفاقك وتلامذتك بأن يستمروا في النضال من أجل الأهداف التي ناضلت من أجلها، ومزيداً من الإصرار على الكفاح حتى تحرير فلسطين من الماء إلى الماء كما أحببت دوماً أن تقسم وتعيد القسم.