بروميثانا …. لأحمد أبو سليم
أحمد أبو سليم … شاعر وروائي.. له في الرواية (الحاسة صفر، ذئاب منوية،كوانتم)
وصدر له حديثاً، رواية بروميثانا … ما الذي يريده،وما الذي يحاول أحمد أبو سليم أن يقوله..
قادماً من الشعر إلى الرواية والرؤيا، ما الذي دفعه للانغماس بالهم الروائي، ما الذي يراه أحمد أبو سليم ويحاول أن يقوله في الرواية.
في (الحاسة صفر) قدم نقداً لاذعاً، شفافاً وحاداً وجريئاً للتجربة النضالية الفلسطينية في لبنان، قدم نقداً لمسيرة النضال الفلسطيني من خلال روايته الأولى والجريئة، المدهشة والمبشرة،والتي نالت إعجاب الغالبية العظمى من القراء والنقاد.
وحاول إكمال الحالة وإشباعها من جوانب أخرى والإحاطة بها وبما حولها حين قدم روايته الثانية (ذئاب منوية) وفي عمله الروائي الثالث (كوانتم) والتي نالت جائزة رابطة الكتاب الأردنيين، أخذنا معه إلى فيزياء الكم، دون أن يغادرمعاقل روحه ورؤيته ورؤاه، ظل قريباً ومقترناً بالمسيرة التاريخية للمقاومة الفلسطينية، يتنقل بين حقبها وعقودها ومراحلها ويحاول ربطها بحاضرنا وحاضرها وبكل ما نعانيه وتعانيه هذه المقاومة لغاية الآن..
غامر أحمد أبو سليم في (كوانتم ) وأزعم أنه كان تجريبياً بامتياز ، حين حاول إسقاط نظرية فيزيائية قادمة من عمق العلوم البحتة والطبيعة على الحياة الإنسانية بشكل عام وعلى الحالة الفلسطينية تحديداً،فجاءت القدس عاصمة الخلود الإنساني، وعاصمة الدنيا والأديان ،بطبقاتها التاريخية المتراكمة و بحقبها التي تعاقب عليها من تعاقب،واستطاع أن يقدم عملاً إبداعياًمربكاً بما يفتحه من أسئلة عن الواقع الفلسطيني النضالي والإنساني،وعن الأسئلة الإنسانية العامة والكبرى،أسئلة الوجود وهاهو يقدم روايته أو رؤيته الرابعة في هذا المشروع الكبيروالمهم ، هذا المشروع الإبداعي ، والنقدي بجوهره ، وكل ذلك في قالب فني روائي جميل ومتماسك ، وبشكل فني مدهش.
بروميثانا… دحدل..ومحتسب الجيار.. أبوشهم..حسن بدوان..عبدالوهاب..حليمة الخياط.. نتاليا يوريفنا تساريوفا … خلدون وادي … فلوديا … وموسكو.
وكل حياة وظروف وحكايا هذه الشخصيات، رسمها وقدمها أحمد أبوسليم بطريقة مقنعة جداً، فكانت شخصيات حقيقية ومن لحم ودم، مقنعة بعوالمها وتكويناتها الداخلية المنسجمة مع عليها نوع من الصدق والموثوقية الإبداعية التي تجعل القارئ يشعر أنها شخصيات حقيقية وليست شخصيات روائية، فيشعر ويحس بكل ما تشعروتحس به الشخصيات ويتفاعل معها ويتوتر لتوترها، ويشاركها في البحث عن أجوبة لأسئلتها،ويعيش أرقها وتعبها ومعاناتها. والمدهش أنه استطاع أن يجعل القارئ يشعر بذلك مع كل الشخصيات وليس مع شخصية واحدة فقط.
وفوق كل ذلك استطاع أحمد أبو سليم أن يوصل كل حالة مرت فيها الشخصيات ضمن الإيقاع الداخلي للشخصيات بالخط الدرامي وخيط السرد العام بتناغم إيقاعي يكاد يكون سيمفوني، غاية في الرهافة والقدرة والإبداع،فكما جعل القارئ يرى ويحس ويعرف ويعيش في موسكو، حين تحدث عن نتاليا، كذلك نجح في إدخالنا في أجواء حلب بظروفها القاسية ومجمل الحياة الاستثنائية التي عاشتها حلب في تلك الفترة وعاشتها (غياب) وكذلك (حسن بدوان)
ولقد بذل أحمد أبو سليم جهداً رائعاً وبدقة متناهية وعمل دؤوب وحس مرهف، كي يخرج أي فعل أو سلوك أو ردة فعل أو رفض أو موقف أو جملة قول أو…حتى الصمت، كان مدروساً ومحسوباً بدقة العارف والصائغ الماهر وصانع العطور، كل ما في العمل جاء مفهوما ومدركاً ومبرراً ومنطقياً وسلساً إلى أبعد حد، فتكامل مع خط السرد العام دفقاً ودماً مستمراً متجدداً نابضاً وحياً وحيوياً، مما ساهم في الحفاظ على مستوى توازن تطور السرد والأحداث والحالات بطريقة غاية في السلاسة والإقناع.
مما ساهم في أن يبقى القارئ مشدوداً للعمل ومرتبطاً ومرافقاً له،حتى لو اضطر لترك الرواية قبل إكمالها، نجح أحمد في أن تظل الرواية عالقة في ذهن وعقل وقلب القارئ، يسجل لأحمد أبو سليم هذه القدرة الفذة والمميزة في الإمساك بكافة عناصر العمل الروائي، هذه القدرة على تقديم بناء روائي قوي ومتين ومتماسك
نعود للبداية … ما الذي يريد أو يحاول أن يقوله أحمد أبوسليم
بروميثانا..هي الأرضية التي أراد أحمد أبو سليم أن يخبئ مقولاته فيها كي يواريها عن المباشرة وفجاجة الخطاب،فقدمها فناً خالصاً عبر رواية متقنة تحوي الكثير من الحكايات والتحولات …
فهل احتملت الرواية مقولة القول المصمت، هل قدم فيها رؤيته ورؤياه لكل ما يحدث فينا أو حولنا، ولكل ما يحدث الآن في هذه اللحظة .
ماذا كان يريد أحمد أن يقول …
إحدى ميزات العمل الإبداعي تعدد التأويل،وأي نص إبداعي حقيقي لا يمكن أن يقرأه عشرة أشخاص مثلاً ويفهمونه أو يحسونه أو يؤولونه بنفس الطريقة.
ما هي العوالم التي اقترب منها أحمد أبو سليم في روايته الرابعة (بروميثانا) ما الذي أراد أن يقوله برسمه المرهف والمبدع للشخصيات والمشاهد الروائية المدهشة التي أدخلتنا في عمق الحالة، في عمق الأحداث وفي عمق الشخصيات
تجريبية أحمد أضافت جمالاً على جمال، بحيث ترك للقارئ أن يخرج من العمل بالقراءة التي يريد، صحيح أنه أوصل رؤى معينة أو ما يشبه المقولات، لكنه كان منحازاً للحرية وترك الباب موارباً.
وأخيراً.. أعتقد أن بروميثانا عمل إبداعي تجاوز الكثير وقدم الكثير،وأعهده عملاً ابداعياً عربياً وعالمياً.