بدران لـ نداء الوطن: تم تمييع الأهداف الأساسية للنقابات، التي أصابها الضعف والتفكك والوهن وغياب الدور الوطني جراء ذلك
نستضيف في هذا العدد من نداء الوطن الدكتور حسان بدران الطبيب والنقابي المخضرم، وحديث حول واقع النقابات المهنية.
نداء الوطن: حول واقع النقابات المهنية، بدأنا نرى في الفترة الأخيرة اختفاء اللونين الأبيض والأخضر لصالح الألوان “القرمزية” إن صح التعبير، في ظل الأحداث المتسارعة وفي ظل النفور من الأبيض والأخضر وكأنها تهمة، وصعود ظاهرة المستقلين والتيار الثالث. كيف تقرأ الذي يحدث هل هي حالة من التراجع وانتكاسة وضرب للعمل المهني المستند إلى خلفية سياسية وطنية، أم حالة متقدمة تطور أداء النقابات؟
الدور الوطني “المغيب” للنقابات المهنية
د. بدران: لا شك أن العمل النقابي هو جزء من العمل الوطني والسياسي في البلد، وهو مرآة تعكس هذا الوضع إلى حد بعيد، هنالك تراجع واضح جداً في العمل السياسي لدى الجماهير في الأردن وسائر البلدان العربية بل والعالم كله وهذا نتيجة للمد الرجعي اليميني واستيلاء الليبراليين الجدد على مقاليد الحكم والسلطة في العالم.
[quote font_size=”12″ bgcolor=”#85acd3″ arrow=”yes” align=”left”]الدكتور حسان بدران / السيرة الذاتية:
– مواليد السلط 1936 ودرس الثانوية في السلط
– درس بكالوريوس الطب في اسطنبول
– أكمل دراسته في بريطانيا تخصص أنف وأذن وحنجرة
– عمل في وزارة الصحة لمدة ست سنوات ثم انتقل إلى العمل الخاص.
– ناشط في العمل النقابي وانتخب لعضوية مجلس نقابة الأطباء خمس دورات.
– ناشط نقابي وسياسي واجتماعي. أنشأ جمعيات مثل جمعية الصم الخيرية وأحد مؤسسي جمعية أطباء العالم لدرء الحرب النووية في الأردن.
– ساهم في تأسيس لجنة الدعم الطبي لسورية بهدف إرسال معونات للأشقاء السوريين بعد الأزمة السورية. ونجحنا في جمع التبرعات وذهبنا بوفد رسمي إلى سوريا وقدمنا مركز طبي علاجي لكل من دمشق وحمص ومع أنها مبادرة رمزية إلا لكن كان لها أثر كبير فعال في نفوس أشقاءنا السوريين وكانت هي المبادرة العربية الأولى والوحيدة في هذا العمل ومع الأسف كان أول (إنجاز) لمجلس النقابة الجديد هو حلّ ووقف عمل هذه اللجنة. واشتركنا مع إخواننا المحامين في بعض النشاطات ومشاركتنا بشكل غير رسمي.
– يعمل حالياً في عيادته الخاصة[/quote]
ومن خلال هؤلاء الليبراليين الجدد، شنت حرب إعلامية شديدة وبروباغندا تشبه البروباغندا النازية. وهذه الحملة هدفت إلى الكثير من التضليل والتزوير، ومع الأسف هذا أحدث تأثير في اتجاهات الشعوب، بالإضافة إلى حالة الإحباط نتيجة الهزائم المتكررة وهذه البروباغندا.
حدث هنالك تغييب وتزييف في الوعي وأيضاً قامت الليبرالية الجديدة بمهمات جديدة وهي ما نسميه بالثورات البرتقالية هذه الثورات المدعومة مالياً من الخارج والتي تقوم بوظيفة تصفية الفكر الحقيقي وتحويله إلى فكر مزور وتابع بواسطة التمويل والبروباغندا التي أشرت إليها، هذه المواضيع كلها انعكست على واقع العمل النقابي.
من دون شك أن عملية التشرذم الموجودة في المجتمع انتقلت أيضاً إلى القائمة البيضاء، فهذا التشرذم الذي أصاب جبهة اليسار في السابق من دون شك انتقل الآن إلى جميع الجبهات الثانية، وكما ذكرت، فإن هدف الليبراليين الجدد تفتيت المجتمعات وتحطيهما وتزييف وعيها وإبعادها عن الهدف الحقيقي ويبدو أن هذا يحصل بشكل عام، ولكن هذا لا ينفي وجود مجموعات حتى لو كانت صغيرة وأفكار وثبات على المبدأ الوطني والسياسي والمقاومة، سواء كان حالياً أو في المستقبل سوف يعي الناس هذا الموضوع ويعرفون أين هو الطريق الحقيقي الذي يؤدي إلى مصالحهم ومصالح الأمة والوطن وفي النهاية لا بد أن يصح الصحيح.
التيار الثالث في النقابات: لمصلحة من؟!
نداء الوطن: هذا التيار الثالث من يقف وراءه؟ هل هي الأجهزة الرسمية أم أنه نتيجة طبيعية لهذا الضخ الإعلامي الأممي عبر وسائل الإعلام الذي يعزز الناحية الفردية على حساب العمل الجماعي والمؤسسي، كيف ترى هذا التيار ومن يدعمه ويوجهه؟ هل هناك تنظيم اسمه الليبرالية الجديدة في الأردن يعمل على الدخول للنقابات؟ هل هو جزء من الحلف الطبقي الحاكم؟
د. بدران: الليبرالية الجديدة الموجودة في العالم هي المحرك الأساسي، ومن مصلحة جهات عديدة تغذية هذا الموضوع، من بينها جهات وأموال خارجية خصوصاً أموال البترودولار. وبدون شك أن هناك أجهزة داخلية رسمية من مصلحتها أن يقوى هذا التيار، لأنه يفرغ الأمور كلها من محتواها الحقيقي ومن أهدافها السياسية والوطنية.
نداء الوطن: ألا تخشى –وأنت النقابي المخضرم- على النقابات من هذا التيار الثالث، ألا تخشى أن يؤدي هذا التيار الثالث إلى حالة من العزوف عن العمل النقابي المهني؟ ألا تخشى أن نصل إلى مرحلة لن يكون فيها من يتطوع للعمل في هذه النقابات؟
د. بدران: نعم الآن نحن ضمن هذه المرحلة، هذه المرحلة حققت نتائجها المرجوة في قضية تضليل وعي الناس، والعزوف عن العمل العام واللجوء للخلاص الفردي بدلاً من الخلاص الجماعي، محاولة تأميم بالاتجاه المعاكس، من خلال خصخصة المؤسسات الرسمية، وخصخصة كل المؤسسات، والآن قصة اعتماد المؤسسات، هناك اتجاه مستمر لإفراغ هذه المؤسسات من أساسها الاجتماعي والسياسي والوطني لصالح الموضوع الفردي والمال وشركات التأمين.
هذا الوضع حاصل في الوقت الحاضر، لكن يجب أن لا نيأس، والخوف حصل وهو ما كنا نخشاه هناك تمييع في النقابات، ولكن هناك مقاومة فهناك فئة اليسار في النقابات التي ما زالت متمسكة في هذه المبادئ وتدافع عن النقابات وتحاول استقطاب جماهير النقابيين حولها، الحقيقة كانت الحركة الوطنية والقومية بمجملها في سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات، كانت هي الحركة السائدة في أذان الناس والنقابات جزء منها، فهي التي كانت تضخ وليس مجرد خريجين من الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية سابقاً، لا هو كان هذا الشعور الجامعي، كان هناك بوصلة واضحة، أين هو الوطني وغير الوطني، أين الصحيح وغير الصحيح، الآن هذه المفاهيم تشوهت وما كنا نخشى منه هو حاصل، هناك تمييع في الفكر والسياسات في الوطن العربي كله، بالنظر لمؤتمر الرياض الذي حصل مؤخراً وحضره رؤساء من خمسين دولة عربية وإسلامية لم يذكر فيها قضية فلسطين إلا مرة واحدة، وكل ما ذكر فيها كيف يتم بناء ناتو عربي إسلامي سني لمحاربة إيران، هذه هي قمة التشويه للعمل الوطني.
صناديق النقابات: مصير مجهول!!
نداء الوطن: هل هناك خوف حقيقي على هذا الصرح النقابي الذي تم بناؤه: صناديق التقاعد والضمان والتأمين الصحي واللجان التي تأسست لمواجهة تغول شركات التأمين الصحي، هل تخشى على هذه المؤسسات النقابية الوطنية أن لا تجد من يحملها؟
د. بدران: هذه المؤسسات موجودة لغاية الآن ومن الصعب تحطيمها، لأنه في النهاية محاولة تحطيمها هو انتقاص من مصالح الأطباء ومستقبلهم. الآن الأطباء كلهم مصرون على بقاء صندوق التقاعد وإدامته ومصرون على الإبقاء على صندوق التأمين الصحي برغم كل المشاكل التي يعانون منها.
تجد الأطباء أو المهنيين يدافعون عن مصالحهم ولكنهم بحاجة دائماً إلى قيادة وتوعية وما زالت المؤسسات السابقة تحاول توعية الناس، مثل مؤسسة القائمة الخضراء وهي مؤسسة ما زالت موجودة وتجتمع وتصدر البيانات والدراسات حول كل هذه المواضيع التي تهم جمهور الأطباء وأيضاً هي ملتصقة بالقضايا العامة، باختصار ما كنا نخشى منه من تمييع هذه الأهداف الأساسية للنقابات، قضية حصلت والنقابات أصابها الضعف والتفكك والوهن، ولكن يجب أن لا نكون متشائمين لأن المؤسسات الأساسية التي أسسناها في السابق ما زالت موجودة وما زال جمهور الأطباء أو المهنيين حاضرين دائماً للدفاع عنها، بدلاً من أن نتفرج ونقول بأن الأمور ضاعت من بين أيدينا.
نحن ما زلنا نعمل على زيادة وعي الناس وتذكيرهم بمصالحهم ومن خلال هذا العمل بدون شك في النهاية سنحاول أن نقف أمام هذه الموجة الجديدة ونواجهها.
نداء الوطن: مجلس النقباء للنقابات المهنية فتر دوره إلى أن اختفى تماماً الآن. إلى ماذا تعزو ما يحدث: هل هو نتيجة جو عام أم اختيار خاطئ للنقباء أم نتيجة ضغوطات حكومية كبيرة أم أن هناك شيء آخر؟
د. بدران: يذكرني سؤالك بمرحلة الخمسينات والستينات، كان لدينا مؤسستين (التجمع المهني والتجمع الوطني) واندمجت المؤسسات مع بعض، وهي كانت عبارة عن ممثلين للنقابات مع ممثلي الأحزاب، وهذا التجمع الوطني كان يقود الحركة الوطنية في البلد. ومع مرور الأيام تم ضرب الأحزاب، ولم يعد لها تأثير في الوسط العام، وضربت طبعاً بتصفية وبقرار رسمي حكومي وبقي التجمع المهني وهو النقابات وممثلو النقابات.
الخلل الحاصل اليوم في النقابات، أوصل ممثلين غير حقيقيين لجمهور النقابيين والمهنيين، وأيضاً العمل الأساسي لمجلس النقباء أصابه التشويه وهذه كانت فرصة للأجهزة الرسمية لتحدث تأثيرها في هذا الموضوع ليبقى عمل مجلس النقباء معزولاً عن العمل العام. وهذا جزء من الصورة الوطنية الشاملة التي أصابت المجتمع والأحزاب، أيضاً هي أصابت النقابات. فالنقابات غير معزولة عن المجتمع، فإذا تم تزييف الوعي الشعبي فإنه سينعكس بالضرورة على النقابات وممثلي النقابات، ويستغل هذا الوضع كل من لا يريد للنقابات من أن تكون فاعلة وممثلة لهذا الجمهور الواسع من الناس.
زيارة ترامب للمنطقة: مصلحة “إسرائيل” أولاً
نداء الوطن: ننتقل إلى الشأن العام، كيف قرأت زيارة ترامب إلى المنطقة العربية، وما كشفته هذه الزيارة من حقيقة الأهداف الأمريكية والغربية للحرب على سورية واستهدافها؟
د. بدران: قصة الشرق الأوسط الجديد لم تكن غائبة عن أذهان الإدارة الأمريكية والغربية بشكل عام، بدأها كولن باول لسورية بعد تدمير العراق، ثم جاءت كونداليزا رايس في 2006 عندما نشبت المعركة بين حزب الله والكيان الصهيوني، وكان تصريحها الشهير عند وصولها الأراضي اللبنانية بأن هذا هو بداية مشروع الشرق الأوسط الجديد، ظناً منها أن المقاومة اللبنانية ستُهزم.
الهدف كان دائماً هو تفتيت المنطقة وتحويلها إلى كانتونات طائفية ليسهل لإسرائيل العيش بسلام وسيطرة وضمان استمرارية وجودهم. ولما فشل الهدف في سنة 2006 وانتصرت المقاومة اللبنانية، تراجع هذا المشروع، ولكنه موجود دائماً في ذهن المؤسسة الأمريكية والصهيونية.
فالمطلوب الآن هو رأس أي مقاومة موجودة في المنطقة وتبذل لهذا الموضوع كل الإمكانات الموجودة لدى الغرب وأمريكا من أسلحة وأموال، والغريب أن الصورة أصبحت واضحة فبهذه العملية استطاعوا أن يسلبوا زبدة الأموال العربية بأن تذهب لأمريكا مقابل أن يدخل تسليح للمنطقة وصرحوا بأن هذا التسليح ليس ضد إسرائيل ولكن ضد إيران، ونتيجة هذا التسليح سيكون هناك سباق تسلح جديد لا يستفيد منه إلا أمريكا ومن تبعها وسوف يؤثر على حياة الناس كلها في المنطقة العربية وحتى شعب الخليج سوف يتأثر بهذا الموضوع سلباً. فقد تم البدء منذ الآن برفع الضرائب وتحميل المواطن الخليجي نفقات مثل هذا المشروع والذي هو مشروع ضد مصالح الأمة العربية.