مقالات

انعكاسات انخفاض أسعار النفط على الأردن.. لا شيء تغير

شهد شهر آب هذا العام هبوطاً حاداً لأسعار النفط العالمي، لم يحدث مثله منذ فترة طويلة، بحيث فقد برميل النفط من سعره أكثر من 50% خلال 12 شهر أي في شهر آب من العام الماضي 2014.

فقد هوى سعر (خام برنت) وهو المقياس العالمي للتسعير إلى 44,64 دولار، وبعد ساعات قليلة إلى 44,24 دولار، وهو أدنى مستوى سعري منذ 2009. أما التعاقدات الآجلة تسليم أكتوبر فقد انزلقت أسعارها لتصل إلى 39,52 دولار، واستقر سعر البرميل من خام برنت عند 45,4 دولار، فيما (سعر النفط الأمريكي بلغ 39,8 دولار).

وتوقع خبراء في سوق النفط أن الأسعار سوف تظل تتراوح ضمن مستوى 40 – 43 دولار.

من يقف وراء هذا الانهيار السريع لأسعار البترول، أم أن الأمر كما تقول الولايات المتحدة يعود إلى انفخاض الطلب، وتراجع معدلات التمو في الاقتصاد العالمي المتوقعة في الفترة المقبلة.

يرجح مراقبون، أن تراجع أسعار النفط إلى هذا المستوى، إنما يعود في الحقيقة إلى ألاعيب دولية، وغالباً ما تقود وتبتكر هذه الألاعيب الولايات المتحدة، كون النفط يسعّر بعملتها الدولار. ولكونها أكبر منتج للطاقة، وأيضاً لضرب اقتصادات دول منافسة وتهدد مكانتها الاقتصادية، وليس ليس جديداً على الإمبريالية الأمريكية، فهو ديدنها قبل أن تتوحش.

لقد ولّد صعود الاقتصاد الصيني وتطور الاقتصاد الروسي صداعاً مستمراً للولايات المتحدة، وزاد هذا القلق أن أفلتت إيران من الضغوط التي مورست ضدها لسنوات طويلة، فأضافت إيران إلى كل من الصين وروسيا بعد أن نجحت إيران في التخلص من ضغوط المقاطعة جراء توقيع الاتفاق النووي.

ومن المثير للسخرية والاشمئزاز أن تنضم دول خليجية إلى هذا المخطط الأمريكي، وترفض تخفيض إنتاجها بالرغم من أنها هي الخاسر الأكبر من هذا الانخفاض في سعر البترول العالمي، ويكفي أن نشير إلى أن السعودية خسرت في يوم واحد 250 مليار دولار بعد الإعلان عن بدء انهيار أسعار النفط، وهي هنا تشبه من يطلق النار على قدميه بدل أن يطلق النار على من يتحداه. فلقد سبق لمسؤول سعودي أن أكد أن بلاده لن تقبل بسعر أقل من 80 دولار للبرميل عندما كان سعر البرميل 75 دولارا مثبتاً أن بلاده ليست مواكبة لحركة السوق النفطي.

إذن السعودية المتورطة في حرب دامية مع اليمن تستنزف ما لديها من احتياطات تبلغ حسب تصريحات وزير المالية السعودي 600 مليار دولار، ومعها دول خليجية أخرى مثل قطر والبحرين، هي أكبر الخاسرين من انهيار أسعار النفط، تليها دول الاتحاد الأوروبي، ودول أخرى منتجة للنفط، فهل ثمة مستفيدون من هذا الهبوط؟

كل المراقبين والمحللين يجمعون بأن الدول المستوردة هي أكثر المستفيدين، خاصة تلك الدول التي تستنزف فاتورتها النفطية مدخولات خزينتها، ويهمنا هنا أن نتطرق للأردن، على أساس أنها من أكبر المستفيدين. وينتاب الشعب الأردني السرور في كل مرة ينخفض فيها سعر النفط، على أمل أن تنخفض الأسعار ويتحسن مستوى المعيشة، خاصة للطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، خاصة وأن المواطن غالباً ما يسمع أن كل المصائب من ارتفاع فاتورة النفط.

يستورد الأردن ما يزيد على 97% من مجمل احتياجاته من الطاقة اللازمة للتنمية الشاملة، وقد بلغت قيمة مستوردات الأردن من النفط الخام ومشتقاته 4,248 مليار دينار بارتفاع قدره 9.15% مقارنة بالعام الذي سبقه أي 2013.

وبافتراض أن انخفاض أسعار النفط العالمية قد ساهمت في تخفيض قيمة الفاتورة بنسبة 50% على أقل تقدير، تكون قيمة فاتورة النفط قد تراجعت إلى 2 مليار دينار.

وعطفاً على ذلك، فمن المفروض، أن تنخفض كلف الإنتاج وتتراجع معدلات التضخم، وينعكس على الموازنة خاصة العجز المرهق للموازنة، ويقلل من ضغط المديونية، والأهم يساعد في تخفيض كلفة إنتاج الكهرباء.

نضيف إلى ذلك، أن الحكومة تتقاضى ضريبة على كل من البنزين 90 قدرها 24%، وعلى 95 قدرها 42%، (الحكومة تزعم بأن انخفاض أسعار البنزين لم يقلل من مكاسبها لأنه يمس هذه الضريبة وبالتالي الإيرادات المحلية).

نضيف أيضاً، أن الأردن يستورد البترول الخام من شركة أرامكو بسعر يقل 10% عن سعر (خام برنت)، أي إذا كان سعر البرميل من (برنت) 45 دولاراً، فإن سعره على الأردن 40,5 دولار، مع الإشارة إلى أن أجور النقل قليلة لقرب المسافة بين مينائي ينبع والعقبة، كذلك فإن الأردن يمتلك مصفاة وهو الذي يكرر النفط الخام بها، وتتقاضى الحكومة ضريبة على كافة المشتقات النفطية قبل وبعد عملية التكرير.

إذن من حق المواطن أن يفرح، ويفرح كثيراً، لأن المكاسب الكبيرة هذه سوف تطال اقتصاد البلد، وبالتالي تطاله هو من حيث انخفاض أسعار السلع والخدمات ومنها أسعار المشتقات النفطية مثل البنزين والكاز والسولار والغاز، وتنخفض أجور النقل، وتنخفض فاتورة الكهرباء. ومن هنا كانت توقعات المواطنين وأصحاب محطات البنزين متفائلة وقبل إعلان لجنة التسعير، وقالوا أن أقل تخفيض للبنزين وغيره لن يقل عن 13%.

طبعاً لا أحد يعرف بالضبط الطريقة التي تتبعها لجنة التسعير الحكومية، فهي من الأسرار التي تهدد الأمن القومي!! ولذلك فإن الحكومة تسلك سلوك التاجر الجشع وتمارس شطارتها على جيب المواطن.

حسناً، نعرف (أن نفط الأردن هو الشعب الأردني) الغلابى، وقد قبل المواطن بأن تلتهم الحكومة الجزء الأكبر من الأرباح جراء انخفاض أسعار النفط، لتتوجه نحو التنمية، وخفض عجز الموازنة، وتقليل معدلات التضخم والحد من ارتفاع المديونية، وتحصين العملة المحلية.

لكن في المقابل، أن يتحسن مستوى معيشته، وتنخفض أسعار المحروقات وأسعار السلع والخدمات، وأجور النقل، ولكن لم نلحظ أن الاقتصاد قد حقق ما كان متوقعاً والأرقام موجودة، معدلات التنمية لم تمس 3.8% مقارنة بـــ 3.1%، وعجز الموازنة كما هو، والمديونية تصاعدت.

ولكن ماذا عن الانعكاسات على حياة المواطن، لقد تم تخفيض أسعار البنزين (90) بنسبة 9.7% من 620 فلس للتر إلى 560 فلس، وبنزين (95) بنسبة 9.4% من 800 فلس نزولاً إلى 725، والكاز والمازوت من 455 إلى 405، والغاز انخفض سعر الأسطوانة ربع دينار. أي لم يلمس المواطن أي تغير في حياته المعيشية.

متى تتحلى الحكومة بالصدق والشفافية وتطلع المواطن على أسرار طريقة التسعير، وأين تذهب فروقات الأسعار ؟؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى