انعطافة أميركية في البيئة العربية الأخطر / ماجد توبة
تواجه القضية الفلسطينية اليوم منعطفا خطرا، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. ما يرد من واشنطن بعد وصول ادارة ترامب من مواقف وتوجهات سياسية تجاه القضية الاولى في الشرق الاوسط، ينبئ بأن سنين عجافا تنتظر الشعب الفلسطيني والحقوق العربية، خاصة أن هذه التغييرات الخطرة في السياسة الاميركية تسقط في بيئة فلسطينية وعربية مزرية، لم يمر مثلها على هذه القضية!
ليست الخطورة في مجرد اعلان ادارة ترامب الجديدة عن دفنها لتبني حل الدولتين سبيلا لمعالجة القضية الفلسطينية، فهذا الحل، رغم تبنيه من مختلف الادارات الاميركية في العقدين الاخيرين مع اجماع دولي عليه، ضرب الكيان الاسرائيلي به عرض الحائط، وعمل على الارض على افشاله ووأد اي امل فيه، عبر توسيع وتسمين الاستيطان ليبتلع معظم اراضي الضفة الغربية المحتلة ويقطع اوصالها. بل الخطورة تتأتى اليوم من توفر بيئة عربية وفلسطينية تساعد على تمرير سيناريوهات خطرة، اسرائيلية واميركية، مدخلها ومبتدؤها فقط إعلان اسقاط الولايات المتحدة لخيار حل الدولتين.
قد لا نتردد اليوم في القول ان مواقف اوروبية وبعض الدولية تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني والعدوان الاسرائيلي المتواصل عليه، هي مواقف متقدمة كثيرا على مواقف عربية، تراجعت فيها اولوية القضية الفلسطينية الى مراتب متأخرة امام تقدم اولويات اخرى على صعيد سياساتها المحلية والاقليمية والدولية، وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه لتمرير السياسات الاميركية في تحولاتها الخطرة تجاه قضية الشعب الفلسطيني مع أقدم وأسوأ ما تبقى من احتلالات حول العالم.
فأغلب الدول العربية اليوم تبدو غارقة في ازماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتبدو اغلبها وقد فقدت القدرة على المبادرة باتجاه تجميع الجهود والمواقف والرؤى العربية بحثا ودفاعا عن مصالحها المشتركة، فيما تواصل ارتدادات موجة “الربيع العربي” التي ضربت بكل قوة قبل ست سنوات في غير مكان، وقد أخرجت دولا عربية محورية من دائرة الفعل والمبادرة، بحدودها الدنيا، ما ترك فراغا خطرا تملؤه عمليا القوى الاقليمية الكبرى اساسا، وعلى رأسها اسرائيل، إضافة الى تركيا وايران.
من جانب آخر، تقدم، أو بالأحرى قُدِّم، الصراع العربي الايراني، على غيره من صراعات وازمات استراتيجية في هذا الاقليم، حيث حل شعار “صراع وجود لا حدود” في اجندات عربية وايرانية على الصراع العربي الايراني، بعد ان بقي هذا الشعار حكرا على الصراع العربي مع العدو الاسرائيلي، بل وتراجع الشعار مع اسرائيل حتى لم يعد صراع وجود ولا حدود.. ولا حتى مصالح! وهي مسؤولية وإثم عظيم تتحمله اليوم ايران ودول عربية، حيث اختار الطرفان، او انزلقا، الى صراع حدي مدمر لمصالح الطرفين، وبما يصب في المحصلة بمصلحة العدو المشترك كما يفترض للطرفين وهو اسرائيل وأطماعها التوسعية، ليس في فلسطين فقط بل في كل الوطن العربي والاسلامي.
فيما بات يسود اليأس اوساط الشعب الفلسطيني تجاه تكريس وترسخ الانقسام الداخلي بين غزة والضفة، و”حماس” وسلطة وفتح، ما افقد ويفقد الشعب الفلسطيني اثمن اوراق قوته في الصراع الطويل مع العدو الاسرائيلي، وهي ورقة الوحدة الوطنية وتوحيد المقاومة بكل اشكالها في الصراع.
لكل ذلك، تبدو الانعطافة الاميركية في ملف القضية الفلسطينية اليوم هي الاخطر في هذا السياق، وما يزيدها خطورة خروج العرب والفلسطينيين من دائرة المبادرة والفعل، وتراجع اولوية الصراع مع العدو الرئيسي والحقيقي لهذه الامة!