انضبوا! / حاتم استانبولي
كلمة أطلقها السيد حسن نصرالله في خطابه أمس اختصر بها موقفه من المشهد السياسي داخليًا وخارجيًا.
انضبوا كلمة كانت تطلق من والدي عندما كنا نتجاوز الساعة المحددة للعب في الحارة أو من والدتي عندما كانت تريد أن تطلق تحذيرًا لنا من أن ساعة قدوم والدي قد حانت وعلينا أن ننضب في البيت.
توجيه السيد كلمة انضبوا في سياق خطابه في لحظة أكمل فيها شرح صورة المشهد بشكل عام أراد منها توجيه موقف حاسم للداخل والخارج؛ لأولاد الداخل بأن يتوقفوا عن اختبار سعة صبر المقاومة وإلى الخارج للأمريكي و”الإسرائيلي” أن قواعد الإشتباك قد تغيرت في إشارة كانت واضحة للجبهة الداخلية “الإسرائيلية” أن ما قبل 25 آب ليس كما بعده.
انضبوا تحذيرية شملت سكان فلسطين جميعًا من شمالها إلى جنوبها تحمل معنى أن لعب الصغار انتهى والميدان يجب أن يخلى منهم للمواجهة القادمة وموعدها سيحدده المقاوم في إشارة إلى أن ضبط ساعة المواجهة أرادها نتنياهو أن تكون ساعته في حين أصر السيد على أن المقاومة هي من ستضبط ساعتها ومكانها الذي سيكون من لبنان.
المتغير في شروط المواجهة أن السيد نصرالله حسم الموقف من استباحة الأجواء اللبنانية وأطلق موقف أن كل طائرة مسيرة فوق لبنان ستسقط وهنا فإن مصطلح انضبوا يشمل طائراتهم المسيرة والمقاتلة .
السيد تكلم بشكل واضح بالأمس وأراد أن يذكر أن من حمى لبنان من القاعدة وبناتها وداعش واخواتها هي المقاومة والجيش السوري وكشف عن المشاركة المشروطة أمريكيًا لمشاركة الجيش اللبناني ولكن في المحصلة النهائية أن من قضى على داعش والنصرة على الحدود اللبنانية السورية هو تحالف الجيش السوري مع المقاومة بمشاركة الجيش اللبناني الذي خضع لعملية ابتزاز داخلية وخارجية من قوى سياسية معروفة أرادت أن تستثمر موقف الجيش اللبناني لتبييض مواقفها التي دعمت واستثمرت علنًا في داعش والنصرة.
كلمات السيد نصرالله وضعت النقاط على الحروف في مشهد متداخل أكد فيه أن المقاومة هي الناظم والمعيار للأمن الوطني الداخلي والإقليمي وأنها ما زالت تدفع الاثمان الباهظة من لحمها الحي من أجل خيار التحرر الوطني واللافت أن السيد في فقرة واضحة حسم خيار المقاومة داخليًا مع الفقراء وضد الفساد السياسي والإقتصادي وأعلن موقفًا ضد التقاسم الطائفي وبهذا أعطى بعدًا اجتماعيًا لمواقف المقاومة وأخرجها من عبائتها المذهبية وعبر عنه في اعتذاره عن عدم رفع أعلام فصائل المقاومة في عيد الانتصار.
انضبوا الحازمة التحذيرية أطلقها في سياق خطابه لكي يختصر الموقف لأولاد الداخل الذين يريدون أن يأخذوا المقاومة لألعاب الحارات وخارجيًا إلى الداخل “الإسرائيلي” أن المتحكم في فتح أو إغلاق ملاجئكم ليست تل ابيب بل بيروت والضاحية تحديدًا.
انضبوا أطلقها القائد الذي استخدم المصطلح والحركة والدق على الطاولة ولباسه عباءته السوداء التي ترمز للحداد والإشتباك في إشارة معلنة لانتهاء الحوار ولإعلان حربه التي ستأخذ طابعًا جديدًا وتوقيتًا هو من سيتحكم بإطلاقه وأرسل رسالة واضحة أن المقاومة ستذهب إلى أبعد ما يكون في حربها القادمة وأن الوعود التي أطلقها ستجد ترجماتها، وفي هذا السياق أطلق أن مصلحة وأمن وسيادة لبنان والمقاومة لن تقف امامها أية عوائق داخلية او خارجية وأن على أصدقاء واشنطن أن يتصلوا بها لتضب ابنها نتنياهو في تحذير لهم ووضعهم أمام مسؤولياتهم وكشفه لموقعهم في خارطة التعارضات خاصة قبل زيارة الحريري إلى واشنطن.
من الواضح أن مفهوم بعض أطراف الداخل اللبناني للسيادة هو ما يتعلق بالموقف من عزل وإضعاف المقاومة أما عن اختراق السيادة اليومي من قبل “إسرائيل” فهي لا تخصهم طالما هي في صفهم ضد المقاومة وسوريا وفلسطين.
انضبوا ذكرتني والكثير مثلي في قدسنا عندما كان يطلقها آباؤنا وأمهاتنا في إشارة تحذيرية حاسمة بأن ننضب في بيوتنا أو عندما كانت تطلق لفض اشتباك كانت تطلق من قبل سيد الموقف ليفرق الجمع ولتعود الحياة لطبيعتها أو لإعلان الخصام والحرب.
انضبوا في الحالة القائمة تحمل رسائل حازمة سياسية ومعنوية وحربية خاصة أنها ترافقت مع الدق على الطاولة بمعنى أن الحوار انتهى واللعب انتهى ومرحلة المواجهة ابتدأت؛ فلينضب الجميع والكلمة الاخيرة لمن يملك زمام المبادرة في الميدان الوطني والإقليمي.