انتفاضة الغضب في نيسان والالتفاف على نتائجها
إن انتفاضة نيسان تجربة نضالية متواصلة نضجت وفقا لشروط التراكم النضالي الوطني الأردني منذ نشأة الإمارة حتي اليوم، وأزالت كل المفاهيم التي اعتبرت الانتفاضة حالة احتجاج تتعلق بمطالب آنية تتعلق بالغلاء وبزيادة أسعار السلع في الوقت الذي كانت فيه التجربة النضالية الشعبية نتاج واقع موضوعي متردي ومتراكم سياسيا واقتصاديا ووطنيا. وأعادت صياغة التجربة الشعبية النضالية التي فرضت نفسها على اعلى المستويات الرسمية وكشفت أشكال وأنماط مستويات الصراع المحلي وربطت القطاعات الشعبية في صورة ماضيها النضالي لرسم حاضرها وتحديد ملامح مستقبلها.
إن زمنية انطلاق الانتفاضة في الجنوب اتسعت لتشمل مناطق متعددة من الوطن وشكلت مسارا حيويا في حياة الوطن وتراكم نوعي هام في مسيرة النضال الوطني والديموقراطي للشعب الأردني، وكشفت بوضوح صارخ عمق واستفحال الأزمة التي تعيشها البلاد منذ النشأة وشمولها لمختلف جوانب تركيب السلطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وانعكاسها على كينونة ومكانة الأردن على المستويين العربي والدولي.
لقد أبرزت الانتفاضة (عاصفة الغضب الشعبي) بوضوح مدى اتساع وتجذر الاستياء والسخط الشعبي على السياسات التي اعتمدتها كافة الحكومات وبشكل خاص حكومة زيد الرفاعي التي توجت تفاقم الأزمة واستفحالها وإطلاق اليد لعواملها المدمرة وقادت إلى الحد الفاصل في تعميق عزلة منظومة الحكم عن الشعب بكافة مكوناته و طبقاته وشرائحه الاجتماعية وفي كافة ارجاء الوطن وعكست الاحتجاجات الشعبية والمطالب التي رفضتها في الشارع وعبر كل وسائل الاحتجاج مدى العمق والوعي والادراك الشعبي لحقيقة ( الكارثه الخطيرة ) التي حلت بالبلاد والذي انتهجته ( الطبقة الحاكمة) في تقييد البلاد وربطها باالرأسمالية العالمية وتعميق التبعية والاعتماد الكلي على المساعدات والقروض الخارجية وتوظيفها في خلق برجوازيات طفيلية واستفحال الفساد والنهب لموارد البلاد بالمقابل ازدياد هامش الفقر وتوسعة جيوبه وزيادة قمعه ومصادرة حرياته الديمقراطية وحقوقه وتعزيز مفهوم السلطة المطلقة ، لقد استأثرت أدوات الحكم وعملت على الدوام تبرير سياستها القمعية واقصائية الشعب كله لتبرير سياستها القمعية ونهجها التسلطي حتى اللحظة بعنوان (الأمن والاستقرار) في حين كشفت فيه الانتفاضة ان غياب الديمقراطية وقمع ومصادرة حريات التعبير والاجتماع والتنظيم والتفرد بالسلطة بمعزل عن الرقابة الشعبية وأدواتها هو الذي يهدد البلاد وأمنها ويراكم التوتر والاحتقان السياسي والاجتماعي وهو الذي يشكل الخطر الحقيقي على تماسك البلاد ووحدته الاجتماعية ولحمته الوطنية .
إن انتفاضة نيسان أبرزت بوضوح طبيعة التناقض الرئيسي الذي يحكم مسار الصراع الاجتماعي والسياسي وأكدت تماسك ووحدة مصالح طبقات الشعب الوطنية وتطلعاتها بعيدا عن كل عصبوية وشكلت منعطفا هاما في الحياة السياسية وفتحت الطريق لوحدة القوى الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية في سياق النضال المشترك من أجل التحول الوطني الديمقراطي .
لقد عبر الشعب بأسره بكافة وسائل الاحتجاج عن ضرورة اعادة النظر بالنهج الاقتصادي وتصويب واصلاح السياسات الاقتصادية بما يكفل حماية مستوى العيش الكريم ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والتدهور الاقتصادي وإلغاء الأحكام العرفية وإطلاق الحريات الديموقراطية وإجراء انتخابات نيابية حرة وفقا لقانون انتخابي ديموقراطي عصري يعيد للشعب سلطاته الدستورية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تقود البلاد على طريق الخلاص الوطني.
لقد عكست هذه الاحتجاجات والمطالب مدى تنامي الاستعداد النضالي الديموقراطي لدى الشعب في مناطق الريف والبادية والمدن ومدى الوعي الشعبي المتصاعد وأبرز صفوف جديدة من القوى الحية المؤمنة بضرورة التغيير واخذت تتلمس معالم الطريق لانتاج الصيغ الملائمة لتنظيم وتأطير ومواصلة نضالها وبلورة الصيغ الملائمة لتحقيق وحدة صفوفها على اساس برنامج موحد للانقاذ الوطني.
لقد أكدت انتفاضة نيسان للجميع حجم المآزق الكارثية التي هددت ولا زالت تهدد الوطن ومستقبله بفضل سياسات التضييق والإفساد واستفحال الأزمة الشاملة وتقييد الحريات والافقار والارتهان وتراكم المديونية وارتدادات أزمة جائحة الكورونا مما يستدعي على القوى الوطنية الحية والشخصيات الوطنية العمل لبلورة برنامج وطني للإنقاذ للقيام بدورها التاريخي ومسؤلياتها الوطنية للتعجيل بمسيرة التحول الديموقراطي و توفير مقومات للنهوض الاقتصادي والافلات من قيود التبعية والارتهان للدين الخارجي وفك حجز طريق التطور الطبيعي وهذا يتطلب ايضا إقامة حوار شعبي تشارك فيه جميع القوى والشخصيات الوطنية والفعاليات الاجتماعية والنقابية والعمالية وممثلو مختلف القطاعات الشعبية من اجل ترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات والبناء الذاتي وتنمية قوى الانتاج.
المجد لنيسان وشهدائه ومعتقليه وقواه الحية التي ما زالت تراكم نضالاتها من اجل أردن وطني ديمقراطي.