مقالات

ام بلال .. حكاية وطن / رانيا لصوي

كنعانية شامخة أينما كانت.. طيبة الأصل والعرق.. عاشقة مبجلّة للأرض والوطن.. تحمل في تجاعيد الوجه عنوان أمل بأن القادم أجمل.. متوشحة بالصبر ومتزينة بالإرداة.. تعددت أسماؤها وتنوعت أشكالها ولكنها في المضمون ذاتها.. فلسطينية الهوى العاشقة.. صلبة القلب ليّنة الروح..
تعرف تماماً أنها من الأرض كانت.. ومنها للأرض كان الولد.. لذا لم تتوانى للحظة في أن تزفه شهيداً.. تلك بنت فلسطين وأم بلال.. أم سامر.. أم خضر.. تلك أم الأسير وأم الشهيد.. تلك هي الأم الفلسطينية.. يحنّ إليها من خلف القضبان ويحتمل ألمه خوفاً من دموعها إذا مات فيتولد بالصدر بارود إرادة ورغبة بالحياة..
“إذا انكسرت ما ترجع ع الدار”.. وهي تعي أن في النصر جوع وألم.. أن في النصر التهام الجسد للجسد، عصارةٌ صفراء حامضة تملأ الجوف بعد أن غاب عنه الغذاء وجفت عروقه عطشاً للماء الصافي خالي من الملح الموجع.. نصره يعني موته بين اللحظة والأخرى، أو فقدانه إحدى وظائفه ولكنها وهو أيضاً يرون في الكرامة حياة وفي العزة نصر..
أم بلال ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، أم بلال عنوان تضحية الفلسطيني.. ليست أم الشهيد المرتقب، فربما تسبقها إلى اللقب أخريات، ولن تكون خاتمة القائمة، فالقافلة طويلة والشهداء بالانتظار مهما اختلف الترتيب أو طال الزمان..
إذ غفت عينها ليلاً حلمت به منتصراً نحيل الجسد نابض القلب، لم تتخيل قلبه ساكناً ولن تقبل.. وإن صحوت نابضة القلب المتعب شكرت الله أنه ما زال حياً وانتظرت من جديد وانتظرت وانتظرت.. تعلم أن تلك الساعة القادمة موجعة جداً، والأيام طويلة جارحة، تعلم أن القادم أصعب ولكنها تفرح لأنه للبطولة عنوان.. هو الخوف والفرح في آن، هو الموت والنصر في آن.. هي حكاية فلسطين التي لا تنتهي، قصص البطولة المستمرة وإبداع المقاومة حتى أكلُ الروح للروح..
في فلسطين نساء آمنوا بالنصر ولم تخيب لهم رؤية قط.. لا ينتظرون الفتوى ويعرفون تقليد صلاة الشهادة.. يحفظون الدعاء عن ظهر قلب.. في فلسطين نساء وهبن الجسد للأرض ورفعن الروح للسماء دون كلل.. قدّرن الأرض فقدّرتهن الدنيا ووضعت على صدورهن الوسام تلو الوسام.. امتهنّ الشهادة ودور الأمهات الثكالى رفعن الزغاريد وزففن الشهداء بأطيب الأغاني والألحان.. تجاوزن قيود الأسر وعلو جدران الزنازين.. كسرن إرادة الاحتلال بصبرهن فلم تكن طول السنون سوى أمل بأن التحرير قادم..
أم بلال.. بلال الفلسطيني ومثله كثر، هي المرأة المناضلة الصابرة التي نتعلم منها، ونبني معها مجتمعا يرى في المرأة.. مناضلة، تحكي القصص، وتشعل الأرض مقاومة، تحمل فكراً فطرياً يعلمها كيف تقاوم، ومن تقاوم، كيف تشد جرحها وتقاوم..
شدي عليكِ الجرح وانتصبي .. أفديك بالأيام لم تشب أفديك بالأقمار لم تغب…
أفدي صباك الشهم مقتحماً ليل الردى بالساعد الثرب..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى