امنحوا 57 % من الأردنيين الأمل في التغيير
لا تبدو نتيجة الاستطلاع الأخير للمعهد الجمهوري الأميركي، التي عكست عزوفا مبدئيا عن المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، بمستغربة، ويمكن تفهم أسباب هذه الحالة بين الناس، لمن يريد تحديد الأسباب ومعالجتها.
حسب الاستطلاع المذكور المنشور الأسبوع الماضي فإن 57 % من الأردنيين قالوا إنهم على الأرجح سيمتنعون عن الاقتراع في الانتخابات المقبلة، فيما أكد “58 % عدم اطلاعهم على قانون الانتخاب الجديد، والهيئة المستقلة للانتخاب”.
شكل تحدي رفع نسبة المشاركة بالانتخابات النيابية دائما هماً رئيسيا للحكومات والقوى السياسية المختلفة، وكان هناك دائما عدم رضا عن نسبة المشاركة جراء عزوف أعداد واسعة من الناخبين عن المشاركة بالتسجيل للانتخابات أو في الاقتراع فيها، خاصة في الانتخابات التي جرت في آخر ثلاث دورات انتخابية.
في الانتخابات الأخيرة، العام 2013، والتي أديرت تماما من قبل الهيئة المستقلة للانتخاب ولأول مرة، أعلن أن نسبة الاقتراع وصلت إلى نحو 57 % حيث بلغ عدد المقترعين بمختلف الدوائر مليونا و288043 ناخباً، من اصل 2.3 مليون ناخب في سجلات الانتخاب يومها. طبعا هذه النسبة للمشاركة وجدت من يشكك بها، تحديدا من قبل الحركة الإسلامية التي قاطعت تلك الانتخابات. فيما تنخفض نسبة المشاركة كثيرا لو احتسبت مقارنة بعدد من كان يحق لهم الانتخاب وهو 3.1 مليون شخص.
المتفائلون بالانتخابات المرتقبة، كاستحقاق دستوري وديمقراطي إصلاحي، يراهنون على أن تجاوز عقدة “الصوت الواحد” في قانون الانتخاب الجديد، واعتماد نظام القائمة النسبية، ووجود إرادة سياسية بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، أمور كفيلة بإقناع نسبة وازنة من الناخبين بالمشاركة والاقتراع. كما يراهنون على أن توسيع قاعدة الشباب ممن يحق لهم الاقتراع بشمول أعداد كبيرة من الشريحة العمرية 17 عاما، سيسهم في رفع نسبة المشاركة.
كل ذلك وغيره من إجراءات إدارية وقانونية متعلقة مباشرة بالعملية الانتخابية، أمر مفيد ومطلوب لتوسيع نسب المشاركة بالانتخابات، لكن الاشتباك السياسي مع الأسباب الأساسية للعزوف عن المشاركة بالانتخابات، وغيرها من أوجه العمل العام، هو المطلوب والأكثر أهمية.
رفع نسبة المشاركة بالانتخابات، وإخراج الناس من حالة السلبية تجاه الحياة البرلمانية والانتخابات، يحتاج لرؤية سياسية واضحة وحاسمة، وهي مهمة الحكومة ومؤسسات الدولة المختلفة اليوم، لا علاقة لها مباشرة بالهيئة المستقلة للانتخاب، المسؤولة قانونيا عن الإجراءات الإدارية والتنفيذية للانتخابات وحسن سيرها.
وبحسب الاستطلاع المذكور ذاته، فإن “الظروف الاقتصادية في الأردن آخذة بالهبوط، وإن هذا يخلق بيئة من عدم الرضا” لدى المواطن، فيما “يقابل ذلك نظرة سلبية لأداء البرلمان”، الأمر الذي يشير إلى أن إقناع المواطن بالمشاركة بالانتخابات يحتاج إلى تحقيق رضاه، أو بالحد الأدنى نيل ثقته وإقناعه بإمكانية التغيير الايجابي عبر الانتخابات والمشاركة بها، لأوضاعه الاقتصادية والمعيشية المتردية.
لذلك، تبدو خطوة الحكومة الأخيرة بإصدار حزمة قرارات اقتصادية قاسية ورفع بعض الأسعار لمواجهة عجز الموازنة، خطوة غير موفقة فيما يتعلق بالانتخابات، حيث لا تسهم مثل هذه القرارات الاقتصادية، بغض النظر عن الموقف المبدئي منها، في ترطيب الساحة السياسية والشعبية للمشاركة بالانتخابات، كاستحقاق سياسي ووطني يفترض أنه لا يعلوه استحقاق في هذه المرحلة!
وفي هذا السياق، يبدو مؤشرا ذا دلالة مهمة، ما خلص إليه الاستطلاع المذكور، عندما أشار إلى أن 34 % من الأردنيين رأوا أنه “في حال تخييرهم بين نظام حكم ديمقراطي أو أوضاع اقتصادية مزدهرة، فإن الأهم لهم هو الأخيرة”.
كذلك، فإن الإدارة المرتبكة لأحداث ذيبان، وما أحاط القضية من جدل وشحن سياسي، يصعب مهمة التشجيع على المشاركة بالانتخابات، ما يستدعي من الحكومة رفع منسوب حساسيتها السياسية في إدارة مثل هذه الأزمات، لتعبيد الطريق سياسيا لنجاح الاستحقاق الانتخابي.
الراهن، أن أمام الحكومة وباقي مؤسسات الدولة اليوم مهمة عاجلة ومهمة، وهي تقليص نسبة الـ57 % من الأردنيين، الذين ينوون الامتناع عن الاقتراع بالانتخابات. والمشكلة أن الفترة الزمنية المطلوبة لتحقيق هذا الهدف المهم هي ثلاثة أشهر تقريبا فقط!