مقالات

امرأة رئيسة للوزراء.. لم لا؟! / جهاد المنسي

لم  يكن صادما ما كشفته دراسة أعلنت مؤخرا، من أن تمثيل المرأة في المواقع القيادية الحكومية متدن، ويصل الى 6.8 %، رغم ان مشاركتها في الجهاز الاداري تصل الى ما نسبته 44.95 % من إجمالي عدد الموظفين.
الدراسة ذاتها كشفت ان متوسط تمثيل النساء في القيادات العليا بالقطاع العام، في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، يصل إلى 15.9 %، وهذا يعني أننا في مكان بعيد جدا عن دول محيطة بنا، فما بالك بدول أكثر تقدما.
وحتى لو عبر مسؤولون عن دهشتهم من تلك النسبة، فإن صدمتهم على الأغلب “صورية” وليست حقيقية، فأولئك المسؤولون أنفسهم هم من أبعد المرأة عبر سنوات عن سلم العمل الاداري، وعن تسلم مواقع قيادية تستحقها، وذلك لان تفكيرنا حتى اللحظة، ما يزال ذكوريا، بعيدا عن المؤسسية والدولة المدنية، وعن فكرة تساوي الحقوق والواجبات، وان المرأة، حقيقة وليس كلاما، هي نصف المجتمع.
فمن برر يوما سيطرة الاناث بشكل دائم على المراتب الأولى في امتحان الثانوية العامة، وقال إن ذلك يعود لـ”هروبهن من أعمال المنزل”، كان مسؤولا حكوميا، ومن يرسل مشاريع القوانين ويشرع الانظمة ويقرر المناهج، أغلبهم ذكور، يحكم كثيرا منهم فكرهم الذكوري، المرتبط بعادات وتقاليد بالية.
الواقع يشير الى أن أغلب المراتب الاولى في الثانوية العامة، عبر سنين طويلة، احتلتها فتيات، وهذا ينسحب على الدراسة الجامعية، لكن ما الذي يحصل عندما تذهب المرأة الى سوق العمل؟ هناك تتنحى جانبا، ويصبح المسؤول المباشر عنها رجلا، قد يكون مترهلا، والمسؤول غير المباشر كذلك ذكرا، وقد يكون جاء بواسطة فلان أو علان، وهكذا دواليك، فلا تجد السيدات لهن فرصة في المواقع القيادية، الا في حالات قليلة ونادرة، ويتم التعامل معهن بعقلية “الكوتا”. وحتى لو اراد متنفذ تحريك واسطة لسيدة لتسلم موقع قيادي، فان تدخله يكون خجولا وغير قوي.
نحن نتحدث في كل مناسبة، وفي الندوات وأمام شاشات التلفاز، ونكتب في الصحف عن تمكين المرأة، ونصرف مئات من ساعات العمل لتحقيق ذلك، وتمرّ سنوات على ذلك، لكن واقعنا ما يزال يؤشر أننا كنا نتحدث فقط من دون أن نعمل، او نطبق ما نتحدث به، ولم تكن لدينا الجرأة لكي نترك للمرأة مجالا للوصول الى المواقع القيادية، وحتى لو اشركناها في حكوماتنا، فان مشاركتها خجولة، ويكون نصيبها حقائب وزارية غير سيادية.
ببساطة، وبلا اي مكياج أو رتوش، نحن مجتمع ذكوري بامتياز، حتى أنك تجد أحيانا ان المرأة ترفض المرأة، وأن الفكر الذكوري يسيطر على تفكير بعضهن، وهذا طبيعي بسبب تأثرهن بافكار وعادات وتقاليد بالية، زرعت في الرؤوس، وسيطرت على الفكر، وباتت عبارة عن “تابوهات” لا يستطيع البعض الخروج منها، لاننا لم نقدم لاولئك حتى اللحظة افكارا مدنية جادة، واصلاحات مجتمعية حقيقية، تلامس المجتمع برمته، وتنتقل به، ذكورا واناثا، شيبا وشبابا، من الواقع الحالي الى واقع مدني حضاري، لا يتعامل مع المرأة بشكل جندري، ويرفض التعامل معها كجسد، او يعتقد ان خروجها من البيت يأتي في باب الفتنة، وان صوتها عورة!
نحن أسرى للتنظير والكلام المعسول، والبعيد عن تحقيق نتائج عملية عميقة ملموسة على أرض الواقع، ولم نذهب للحظة لإصلاح الخلل بالسلم الوظيفي مثلا، ودراسة أسباب غياب المرأة عن الوظيفة القيادية، أو وضع برامج جدية لتنفيذ برامج تكون كفيلة برفع النسبة، وفقاً لمبادئ وأسس الجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص، أو معالجة المعوقات الاجتماعية في النظرة المجتمعية السلبية لدور المرأة، وقدرتها على صنع القرار، ودراسة الظروف العائلية والمسؤوليات العائلية والاجتماعية.
ما الذي يمنع أن تكلف امرأة برئاسة الوزراء، أو رئاسة أي من سلطات الدولة؟ لا أعتقد انه يوجد نص دستوري يحول دون ذلك، إلا عادات وتقاليد بالية، وضعناها نحن وبتنا نتعامل معها بقدسية. هي أفكار ذكورية زرعناها ولقّمناها للناس عبر المناهج كالحليب. فكر راديكالي آن الاوان لخلعه من الرؤوس، والذهاب نحو دولتنا المدنية الحضارية؛ دولة المؤسسات والقانون.

نقلاً عن جريدة الغد

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى