امال نفاع “أبو خلدون” .. حكاية مناضل
أبو خلدون كان يجيد الحكايات، يصنع لك من كل حدث حكاية، وكل شخصية يقدمها في تاريخه الطويل من النضال يصنع منه بطلاً لأسطورة سوف لن تكتمل إلا باكتمال طموحات شعبنا بحياة كريمة وحرية فلسطين حيث مهوى الأفئدة.
بدايات البدايات كان يختصرها أبو خلدون بحكاية الطبيب اللبناني الذي يسكن مدينة السلط واسمه ابراهيم الصليبي، الذي شكل حلقة الوصل مع التنويريين العرب كشبلي شميل وفرح انطون وغيرهم. هذا الطبيب المعتمد لدى بلدية السلط كطبيب عام 1904، كان يجمع عددا من أبناء السلط في حلقة يتحدث بها ويجيب على أسئلتهم.
هذه الحلقه ونقاشاتها أتى منها التغيير الذي أصاب والد ابي خلدون المرحوم عيسى خليفه نفاع، وجعل منه يتلمس خطواته الأولى في فكر التنوير. ليمتهن التجارة ويغادر مدينة السلط ليشتري بيتا شركسيا جميلا على سفح جبل عمان القديمه في نهاية شارع الرينبو، يكون مقرا لأصدقاء ورفاق ربطتهم أقدار النضال السياسي في كل المراحل.
أبو خلدون الذي أبصر النور عام 1930، انتسب عام 1950 إلى الحزب الشيوعي الأردني، ثم الحزب الشيوعي اللبناني عام 1952، في شكل مختلف عن ابن بيت ثري وخريج مدرسه المطران، وكانت أولى نضالاته من أجل إسقاط المعاهدة البريطانية وإخراج كلوب باشا من قيادة الجيش. وكان يقول أن تلك المظاهرات الحاشدة جمعته وقتها مع الكثيرين الذين بقيت جذوة النضال في قلوبهم، ومنهم د. جورج حبش وأبو علي مصطفى في تلك الفتره من مظاهرات وسط عمان وغيرها، حيث كان أبو خلدون قائدا لمنطقة اربد وتوارى فترة عن الأنظار خوفا من الاعتقال.
فتره الخمسينات التي انتهت بزياره معتقل الجفر لثماني سنوات من زهره شباب كل من سجن هناك، في فتره امتدت بين عامي 1957 وعام 1965. فترة كانت غنية بالأحداث وكان أبو خلدون من القلائل الذين أرّخوا لتلك الفترة، وكانت بعض منجزات المعتقلين مثار إعجاب لعقود بعدها منها فقاسات البيض التي صنعها الرفيق جميل اسطفان.
ومما يذكر عن أبي خلدون أنه من القلائل الذين لم يتورطوا في أي خلاف شخصي خلال فتره السجن الطويلة، وهكذا كانت شخصيته التي حافظت على محبه الجميع رغم كل الخلافات والإنقسامات التي عصفت بالحزب الشيوعي الأردني. عمل في براغ بعد خروجه من السجن في مجله قضايا السلم والاشتراكية حتى العام 1970، ليلتحق كما رفاقه في تنظيم الأنصار الذي ساهم به الشيوعيين ضمن صفوف الثورة الفلسطينية، واحتل موقعا متقدما كقائد للتثقيف السياسي.
كان له دور أساسي في تأسيس اتحاد الطلبة الاردنيين، وأشرف على مؤتمر الطلاب قبل سجنه في الجفر عام 1954.
وله دور مهم في الدفاع عن قضايا المرأة، ولا ننسى هنا أن هذه الأسرة الشيوعية بأغلب الأشقاء والشقيقات، كان منهم إميلي وليلى وماري من قدامى المناضلات في الحركة النسوية. العمل الحزبي تدرج في مواقعه مبكرا، من لجنة عمان المحلية الى عضوية اللجنه المركزيه عام 1959 ثم المكتب السياسي عام 1970.
وكانت اخر مره يعتقل بها عام 1986 على إثر مساهمة الحزب الشيوعي في أحداث جامعة اليرموك، والتي كانت احتجاجا على تعديل نظام السنوات الدراسية الى نظام الساعات الدراسية، مما ترتب عليه ارتفاع في تكاليف الدراسة، بالإضافة إلى وضع رسوم على التدريب الهندسي في وقتها.
أغمض الرفيق ابو خلدون عينيه إلى الأبد قبل ايام، ممتلكا أقصى درجات المحبة من الجميع وللجميع، لم يترك صفوف الحزب يوما، وكان مدركا لأهمية وحدة الشيوعيين والعمل الوطني بمجمله.