اليوم الأردني للبوح ..
تخيلوا معي لو أن الحكومة الأردنية، خصصت يومًا لـ»البوح»، يتم من خلاله السماح للمواطن بالحديث بأي موضوع أو قضية يريدها، على أن يتم في اليوم التالي، اعتبار كل ما تم الحديث عنه في اليوم السابق كأن لم يكن. وأن نطلق عليه مسمى «اليوم الأردني للبوح».تخيلوا أن يتحرر الموظف من قيود عقده الوظيفي، ليحدثنا عن نكت صاحب الشركة السمجة، ومقترحاته الغبية لـ»تطوير العمل». وعن العطاء الذي تحصلت عليه شركته لما يتمتع به صاحبها من علاقات واسعة مع «الجهات المعنية».
تخيلوا معي المواطن الأردني المتحرر من قيود العواقب الأمنية والقضائية، وهو يتحدث عن حجم غضبه من تصريحات الحكومة المستفزة عن محاربتها للفقر والبطالة .. وعن أمنياته بالتخلص من كافة المسؤولين الفاسدين الذين يتملقهم في المناسبات الاجتماعية .. وعن حقده على أبناء المسؤولين الذين يدرسون في المدارس الأجنبية، ويكملون دراستهم في الجامعات الغربية، ليعودوا مسؤولين ووزراء كآبائهم ..
تخيلوا معي ذلك الصحفي الذي تحرر من «عقدة من لسانه»، ليحدثنا عن الرشوات والهبات التي تتحصل عليها المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، من ذلك المسؤول أو تلك الشخصية الهامة، لتلميعهم والتسبيح بحمد إنجازاتهم الوهمية. وعن الظروف المغلقة التي تأتي للمؤسسة من جهات رسمية وشركات خاصة، ثمنًا للسكوت عن كل التجاوزات التي تقع بها هذه الجهات.
تخيلوا معي إمام مسجد يصعد على المنبر، غير خائف أو مبال بقانون الوعظ والإرشاد، ليحدثنا عن حديث أبي ذر الغفاري «عجبت لمن لم يجد قوت يومه، ولم يخرج شاهرًا سيفه»، وعن خطب سابقة كان يلقيها عن غير قناعة ..
ولكم أن تتخيلوا ما يمكن أن ببوح به نائب لم يبخل على أي حكومة بثقته، من أجل تنفيعة هنا أو (ألو) هناك .. نائب سيكشف لنا كيف يتم تمرير الموازنات ورفع الأسعار والقوانين، بما يرضي الحكومة ويغضب المواطن .. نائب سيحدثنا عن كيفية شراء الأصوات للوصول إلى برلمان صوري لا يحل ولا يربط .. وآخر سيكشف لنا عن «عنترياته» الوطنية الزائفة التي يقوم بها تنفيذًا لدور مطلوب منه ..
أما عن نفسي، فإن اليوم الأردني للبوح سيبقى حلمًا يراودني، لأبوح بما لا يمكن البوح به .. على الرغم من أنني على يقين بأن يومًا واحدًا لن يكون كافيًا، للبوح بكل ما لدي من حديث عن حجم الكذب والنفاق والتسلق والانتهازية التي لا مثيل لها، والذي أصادفه يوميًا ..
اليوم الأردني للبوح .. يوم يذكرني بـ»عيد الصدق» في مسرحية غربة للمبدع محمد الماغوط .. تلك المسرحية التي شهدت حادثة أكل «الحمار» للدستور .. فهل سنشهد في نهاية يوم البوح «أكل الدستور»؟!