الوعد الذي أسس لجريمة العصر
لم يتوقف آرثر بلفور كثيراً عندما أطلق وعده في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 وما سيجره هذا الوعد على الشعب الفلسطيني من استباحة لوطنه وتشريد له في أرجاء الأرض الأربعة، بل كان هاجسه إرضاء الحركة الصهيونية ووضع اللبنة الأساسية للمشروع الاستعماري الغربي وربط كل ذلك بالمصالح الاستراتيجية البريطانية الاستعمارية في منطقتنا العربية، الأمر الذي يتطلب منا قراءة هذا الوعد في سياق الرؤية البريطانية الاستعماري الرامية إلى السيطرة على هذه المنطقة ونهب ثرواتها وقطع الطريق على نهوضها وتطورها.
التاريخ يشير إلى أن البداية الأيديولوجية الأولى للمسيحية الصهيونية قامت على يد أوليفر كرومويل الذي دعا لعودة اليهود إلى فلسطين، وذلك في مؤتمر عقد عام 1655، وتم الربط وقتها بين المسيحية الصهيونية في بريطانيا مع المصالح الاستراتيجية البريطانية.
منذ ذلك التاريخ صارت أحداث كثيرة، ارتبطت بالسعي البريطاني للسيطرة على منطقتنا ولعل المؤتمر الذي عقد في لندن (1905-1907) بدعوة سرية من حزب المحافظين بهدف إيجاد آلية تحافظ على حقوق ومكاسب الدول الاستعمارية في منطقتنا العربية أطول فترة، أحد أهم هذه الأحداث.
رأى المؤتمر أن الخطر يكمن في المناطق العربية، الأمر الذي دفع المجتمعين للسعي إلى إبقاء هذه المنطقة مفككة وجاهلة ومتأخرة، وأقروا السعي لمحاربة أي توجه وحدوي عربي.
وقد تم ترجمة تلك التوجهات باتفاقية سايكس بيكو عام 1916 من خلال تقسيم الوطن العربي بين بريطانيا وفرنسا ثم بإصدار وعد بلفور القاضي بإقامة كيان لليهود في فلسطين من شأنه فصل مشرق الوطن العربي عن مغربه.
بهذا الفهم نجد أن المستهدف من ذلك الوعد، هي الأمة العربية وطموحها بالتوحد والنهوض والتقدم، تماماً بنفس القدر الذي استهدف فيه الشعب الفلسطيني واستهدف حقه بالتواجد على أرضه وتقرير مصيره.
تدخل الذكرى المئوية لوعد بلفور ولا تزال آثام هذا الوعد بادية على وجه فلسطين، من خلال تشريد شعبها واختلاق كيان غريب على أرضها، ولا يزال الوطن العربي يعاني الفرقة والاقتتال والتخلف بسبب هذا الوجود الصهيوني.
في هذه الذكرى فإن المواجهة بمقدار ما يجب أن تكون ضد الكيان الصهيوني، يجب أن تكون كذلك ضد الدول التي اختلقت لنا هذا الكيان ورعته ولا تزال تحتضنه.
مطلوب من بريطانيا أن تعلن للملأ عن عدم شرعية هذا الوعد، وتعلن عن اعتذارها للشعب الفلسطيني عما لحقه بسبب ذلك الوعد.