ثقافة وأدب

الهدوء في لحظة التسارع، والحلم / محمد المعوش

محمد المعوش / كاتب لبناني

تتسارع الأحداث وتتغير ملامح العالم المعروفة طوال عقود من الزمن، من سيطرة القوى الإمبريالية على العالم ونهبها للشعوب والدول، بالقوة والاخضاع و\أو التبعية والتسليم، إلى صعود قوى عالمية على المسرح. جدلية التراجع – الصعود المحكومة بقوانين أزمة بنية الرأسمالية ككل في إنتاجها للأزمات الشاملة الاقتصادية الاجتماعية السياسية البيئية الأخلاقية…أي أزمة وجود البشرية ككل. هذه الضرورة التي تحكم على كل القوى المتضررة (دول\شعوب) أن تواجه، تغير من واقع أمر السيطرة القاتلة للعسكرة العالمية والنهب، لكي تبقى، وتتقدم، وإما تواجه الفناء.

تسارع أحداث، ولكن؟

هذا التحول في موازين القوى العالمية نقل الصراع بكل مستوياته الفكرية والسياسية والاقتصادية الى أرض واحداثيات جديدة. فقبل التحول كان العالم يعيش الليبرالية من جهة، ونقيض عاش تراجعا الى حد الجمود والسكون هو قوى البديل الجذري الاشتراكي وخصوصا في لحظة تعثر التجربة السوفياتية. وكان الوسط السياسي الجذري يعيش ما وصف بأنه “الأزمة” عامة، واجتياحا للفكر النقيض الليبرالي والتحريفي.

اليوم وفي هذا التحول العالمي الموضوعي الذي هو من دون شك لغير صالح الامبريالية العالمية، فاتحا الأفق لنظام عالمي اكثر عدلا ومساواة، ما هو النقاش الذي يحكم احداثيات عقل القوى الجذرية التي كانت تنطق بلغة الازمة\السكون خلال العقود الماضية؟

هل تجاوزت قوى التغيير الجذري “أزمتها” السابقة؟ هل قدم تغيّر موازين القوى العلاج بديهيا لعطالة هذه القوى قبل التحول العالمي والازمة التي تعانيها الرأسمالية كبنية اقتصاد مأزوم؟

الأكيد أنه في الشكل قدمت الازمة العالمية الرأسمالية ظروفا موضوعية كانت غير ناضجة في العقود الماضية نسبيا، وخصوصا في عودة الجماهير الى الشارع في العالم، نتاج السياسات الاقتصادية الناهبة والتهميشية والمغرّبة للانسان. وبالتالي هذا يقدم القوى المادية الموضوعية لأي مشروع تغييري سياسي، ولكن يبدو أن قوى التغيير الجذري لا تزال تعيش مخاض الخروج الى العالم الجديد في رؤيتها الشاملة ولما يمكن لها ان تشكله اليوم كبديل شامل لنمط الحياة الانساني ككل.

الجانب الفكري والتحول

من مظاهر هذا المخاض هو عدم الحسم لدى هذه القوى وخطابها حول المعنى التاريخي لما يحدث في العالم وهل ما يحدث هو أحداث “خطيّة” أم ما يمكن ان يسمى “حالة قطع” في السياق التاريخي للتشكيلة الرأسمالية منذ تبلورها كنظام انتاجي منذ عدة مئات من السنوات؟ لهذا التمييز دور أساس في الموقف السياسي والبرنامجي العام والخاص لأي دولة تعيش الأزمة الوطنية الشاملة ولشعوبها، فالتمييز في طبيعة المرحلة يعني تمييزا في التموضع السياسي والفرز وقراءة الحدث المتسارع نفسه.

من مظاهر المخاض أن خطاب القوى الجذرية يعيش حالة “تنوع” غير مستقر في القضايا التي يمثل بها القوى المتضررة طوال عقود من العيش التهميشي المادي والمعنوي. عدم “الاستقرار” لبنية خطاب قوى التغيير الجذري المفاهيمي والقضايا التي يجب أن تتضمنها في برامجها التغييرية المستجيبة للحظة التاريخية الراهنة يعود الى التمييز السابق نفسه في تفسير اللحظة التاريخية التي يمر بها العالم.

وصلنا إلى الحدود عمقا واتساعا

القول بأن الرأسمالية وصلت الى حدودها التاريخية يعني اجتماعيا انها تعيش انتهاء مفاعيل مرحلة “التخدير” التي تبلورت بعد مرحلة الاستغلال المباشر المادي ما قبل العصر الثوري في القرن الماضي وقبل ظهور ما عرف بالتنازل التاريخي أو “الرشوة التاريخية” التي قامت بها الرأسمالية لسحب التوتر والارض الثورية عند تصاعد حركة الاشتراكية في العالم. مرحلة التخدير في المضمون هي انتقال الرأسمالي نسبيا من السلاسل المعدنية والسوط إلى سلاسل الوعي وسوط اللبرلة الثقافية، الى ميدان الاستغلال المعنوي الذي انتج كما عصر الاستغلال المادي اوجاعا ومعاناة معنوية لا تقل خطورة عن آثار السلاسل والسوط في حقول المزارعين ومصانع الآلات وبيوت العمال غير الانسانية وقتها. وهي أيضا في دولنا دمجت الاستغلالين المادي والمعنوي بشكل فظيع عانيناه نتيجة الانظمة التابعة والمشوهة التي اصبحت كالحصون الأمنية التي تجوع مساجينها في آن.

عودة الجماهير، أي عودة؟

القول بعودة الجماهير إذن الى الحركة السياسية يعني انها عادت وتحمل مضمونا جديدا هو سقف معاناة شامل يدمج الاقتصادي بالمعنوي النفسي، سلب للقيمة الانسانية، ماديا ومعنويا.

في ترجمة هذا المضمون في خطاب يحاكي ويستجيب للقهر الداخلي الشعبي ويُمكّن خطاب التغيير أن يعكس كل النقمة الشعبية ويتخطى الطرح “الاقتصادي الجاف” لكي يصير حاملا لحلم.

الحلم واللحظة

القول بلحظة تاريخية فارقة “قطعية” يعني ان العالم يطوي كل احداثيات المجتمع “الرأسمالي” فكريا وثقافيا واجتماعيا…لعالم عرفنا عنه يوما أنه مجتمع الانتاج الجماعي، التقدم الشامل، عودة الانسان الى ذاته كما قال ماركس، وبالتالي يعني أننا يجب أن نقدم حلما حقيقيا لشعبنا، لا كابوس الليبرالية الحقيقي الذي وهمت به الرأسمالية البشرية طوال عقود.

نحن أقوى اليوم من أي وقت مضى، إذا ما رسمنا ملامح هذا الحلم، المادي والمعنوي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى