الهبّة الفلسطينية تتمدّد: تحطيم أسطورة «القدس الموحدة»
برغم كل الإجراءات القمعية التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية ضد الهبة الشعبية الفلسطينية فإن الهبة تتسع وتزداد حدة بما يسمح للبعض بتقدير قرب تحولها إلى انتفاضة شاملة. فالهبة لم تعد قصرا على القدس الشرقية، ولا على المناطق المحتلة في العام 1967، وإنما تجاوزتها لتصل إلى مناطق 48، ما يعيد الى الأذهان مشاهد انتفاضة الأقصى.
وإذا كان للهبّة الفلسطينية من معنى، فإنها، وعدا إفشالها سياسة «إدارة النزاع» التي تنتهجها حكومة اليمين الإسرائيلي، حطمت اسطورة «القدس الموحدة» وانتفاء الهوية الفلسطينية الجامعة.
وتنقل مواقع إسرائيلية عن مصدر عسكري كبير في قيادة الجبهة الوسطى قوله: «أنا أرى موجة من التصعيد، وهناك أقوال في الجانب الفلسطيني حول تهدئة الميدان، ولكن لا يمكنني القول إننا نقترب من النهاية».
وجاءت هذه الأقوال في ختام جلسة لتقدير الموقف عقدها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون مع قيادة الجيش في الضفة الغربية.
وأشار الضابط الإسرائيلي الكبير إلى أن ما يجري لا يرقى إلى مستوى انتفاضة «فنحن لا نعيش في حالة تفجر وإنما في ما يبدو كموجات إرهاب. هناك الكثير من التدابير التي بوسعنا نحاول أن نؤثر ونجعل ما يجري مجرد موجة وليس أكثر من ذلك والأمر لم ينته بعد».
وبرغم إعلان إسرائيل اعتقال الخلية التي نفذت قبل أسبوع قتل مستوطنين والقول إنها تابعة لحركة حماس، إلا أن الضابط لم يشأ التورط باتهام قيادة حماس بالوقوف خلف ذلك. فمثل هذا الاتهام يقود، كما سبق وحدث في الماضي، إلى توسيع المواجهة بضرب مقرات ومواقع لحركة حماس في قطاع غزة، وهو ما لا يبدو أن إسرائيل تسعى إليه على الأقل في الوقت الحالي.
ورفض الضابط الكبير اتهامات جهات يمينية للحكومة بتقييد يد الجيش فأعلن أن «لدينا حرية عمل كاملة ونحن نهاجم طوال الوقت وننفذ عمليات وقائية كل ليلة. وإذا برزت حاجة لدخول نابلس فإننا ندخل من دون مشاكل، ومن دون قيود. يمكنني أن أخلق طنجرة ضغط، أو تدمير بيت، وأي جندي يواجه خطرا ينبغي له تنفيذ إطلاق نار لتحييد هذا الخطر».
وتحدث الضابط عن وجود تنسيق أمني ميداني يشمل لقاءات على مستوى قادة الألوية وقائد الفرقة مع كبار المسؤولين في أجهزة الأمن الفلسطينية. وقال: «ثمة تنسيق جيد، وأعتقد أنهم في الفترة الأخيرة يواجهون تحديات داخلية وهم يخففون حضورهم، ولكن حينما لا تكون نجاعتهم عالية فإننا نتواجد هناك».
وكان الاجتماع الوزاري المصغر الذي عقد ليل امس الاول برئاسة نتنياهو قد كلف وزيرة العدل إييلت شاكيد من «البيت اليهودي» بتشكيل جهاز خاص لتقصير إجراءات هدم بيوت منفذي العمليات الفلسطينيين. وكلف نتنياهو الجيش أيضا بتكثيف عملياته ضد المحرضين والداعين للعنف حتى على شبكات التواصل الاجتماعي. وطالب نتنياهو باتخاذ أشد الإجراءات ضد أصحاب المحلات في أسواق القدس ممن يشاركون في الإضرابات أو لا يعملون على منع عمليات الطعن ضد يهود.
وقد أشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن اجتماعا بين كبار الضباط الإسرائيليين والفلسطينيين عقد في الضفة أمس في محاولة لبحث تهدئة الميدان. وقالت إن هذا اللقاء هو الأول على هذا المستوى منذ حوالى أسبوع. وأقرت أوساط عسكرية إسرائيلية ببذل السلطة الفلسطينية مساعي لتهدئة الأجواء في الضفة الغربية.
ومعروف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بذل جهدا في الأيام الأخيرة لتهدئة الهبّة، حيث قال في اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عقد في رام الله أمس الأول: «نحن لا نريد تصعيدا عسكريا وأمنيا بيننا وبينها (اسرائيل)، لا نريد هذا، وكل تعليماتنا الى أجهزتنا وتنظيمنا وشبابنا وجماهيرنا، بأننا لا نريد التصعيد لكن نريد أن نحمي أنفسنا، نحن لسنا الذين نبدأ ولسنا الذين نبادر وعلى اسرائيل ان تتوقف وتقبل اليد الممدودة لها، نريد الوصول الى حل سياسي بالطرق السلمية وليس بغيرها اطلاقا».
ولكن ميل الرئيس الفلسطيني للتهدئة لا يجد أذنا صاغية في الجانب الإسرائيلي، حيث ترتفع أصوات التهديد وزعيق الإجراءات ودوي الرصاص.
ويبدو أن حكومة نتنياهو معنية، كما كانت دوما، بميزان الدم، ولذلك فإنها تحث أجهزتها الأمنية على القتل وتبرر كل عملياتها وتطلب منها المزيد. ومع ذلك يوحي نتنياهو بأنه يعمل كل جهده من أجل تعميق الردع ولكن من دون الاضطرار إلى تنفيذ عملية واسعة كالتي نفذها أرييل شارون في العام 2001 باسم «السور الواقي»، إذ هناك إقرار متزايد في الأوساط المهنية الإسرائيلية بأن عملية كهذه ستكون رصاصة الرحمة للسلطة الفلسطينية وحينها سوف تضطر إسرائيل للعودة إلى مربع الاحتلال المباشر في الضفة الغربية.
وكتب المراسل العسكري لـ «هآرتس» عاموس هارئيل أن نتنياهو يبحث عن طريق التفافي على العملية العسكرية الواسعة عن طريق تصعيد التهديدات الصارمة على أمل تخفيف غضب المستوطنين والعودة إلى إجراءات مجربة هي في نظره «بضاعة قديمة يعود نتنياهو بتسويقها للجمهور» وتتمثل في هدم البيوت والاعتقالات الإدارية.
ومع ذلك فإن الآلاف من المستوطنين وأنصار اليمين يتظاهرون أمام ديوان نتنياهو ويطالبونه باتخاذ إجراءات أقسى ضد الفلسطينيين. ويشارك في هذه التظاهرات وزراء حتى من الليكود. ويرى معلقون إسرائيليون أن نتنياهو لا يلحظ حجم الابتعاد الشعبي اليميني عنه. فاليمين الاستيطاني بات هو من يحدد النبرة في أوساط اليمين الديني والقومي وبالتأكيد ستكون لذلك عواقب على السياسة الإسرائيلية. وقال المعلق السياسي للقناة الثانية، أودي سيغال أن حكومة نتنياهو اليمينية تعيش في الأيام الأخيرة حالة دوخان خطير. وهذا الدوخان هو محصلة للدائرة السياسية التي يلف فيها كل واحد من الوزراء إلى أن يصل إلى رئيس الحكومة نفسه.