النظام السياسي !/ بقلم: حاتم استنانبولي
النظام السياسي: هو في جوهره تعبير عن مجموع العلاقات الاقتصادية القائمة في الدولة, باختصار هو تعبير عن طابع الاقتصاد والعلاقات المنبثقة عنه, وهنا فإن العلاقات الاقتصادية, تنعكس في شكل وطابع النظام السياسي والتشريعي والقانوني. حيث تتطلب المصالح الاقتصادية, شكلاً من العلاقات السياسية والاجتماعية والقانونية والتشريعية لحماية الطابع الاقتصادي للدولة, وبالضرورة فإن آخر كل نهار, يتم حساب مجموع النشاط السياسي, والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والقانوني, ومدى توافقه مع مصالح الفئة المتحكمة في عجلة الاقتصاد, وعلى إثره يتم تحديد الموقف من هذا النشاط وانعكاسه في السلوك السياسي.
إذا ألقينا نظرة عامة على الاقتصاد العالمي, فإن التطور الحاصل في جوهر النظام الرأسمالي من حيث تمركز رأس المال, والذي ألغى الحدود الوطنية الاقتصادية, وانعكس في العلاقات بين الدول ونظمها السياسية, وتم إيجاد أطر للسيطرة على حركة رأس المال ووظيفته مثل البنك الدولي, والــ G8 كإطار لحل الخلافات بين الدول الصناعية الكبرى, واستعمال البنك الدولي كقوة مالية ضاغطة على الدول النامية والفقيرة لإخضاعها والسيطرة على ثرواتها. أما عن ال G20, فإنه يضم الدول الصاعدة اقتصادياً, والأخرى التي لها أرصدة ذات أرقام هائلة في المنظومة المالية العالمية ك(بعض الدول الخليجية). ويهدف هذا الإطار لتطويع هذه الاقتصاديات لسياسات مراكز رأس المال العالمية.
ولكن من الملاحظ أن الشروط التي وضعت على الطاولة, لم تلائم بعض الدول الصاعدة اقتصادياً , وهنا بدأت تحاول أن تخط طريقاً منفصلاً خاصاً بها, وخاصة أن مجموع سكان هذه الدول يشكل تقريباً أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية وما يعنيه ذلك من نشاط إنساني متعدد الجوانب. وبادرت لتشكيل أطر خاصة بها, فكانت تجربة النمور السبع في جنوب شرق آسيا والتي شنت حرب غير معلنة على اقتصادياتها, أدت إلى انهيارها واحتوائها.
الآن هنالك تجربة جديدة تنطلق بشكل متوازي هي منظمة دول شنغهاي والبريكس, وهذه الدول المنضوية تحتها تريد أن تخط سياسة اقتصادية بعيدة عن سياسات مركز رأس المال الإمبريالي. وجوهر هذا الموقف يتعلق بالدور التاريخي لهذه الأمم, حيث نلاحظ أنها في سياقها التاريخي لم تكن دول ذات تاريخ استعماري وإنما بعضها خضع للاستعمار, وترك أثراً أخلاقياً جمعياً في القيم والسلوك الأخلاقي لسياسييها والمتحكمين بقراراته.
واستنادا لذلك فإننا نفسر الكثير من القرارات التي تناقضت أو تعارضت مع الدول الرأسمالية الاستعمارية. أما عن دول (العالم الثالث), فقد كان من السهل إخضاعها, وتركيب نظمها السياسية, وإخضاع اقتصادياتها لشروط البنك الدولي والمنظمات الاقتصادية التابعة له, ويصبح البنك الدولي ومؤسساته هي الراعي لهذه الدول, ومسدد فواتيرها, وتسجيلها كمديونيات تستعمل كقوة ضاغطة من أجل فرض السلوك السياسي الذي يتوافق مع مصالح النظام الإميريالي العالمي. وهذا يتطلب صعود الفئات والقوى المرتبطة مصلحياً مع حركة رأس المال في هذه الدول, وتحويلها لشرطي كابح للتطلعات الوطنية.
وبرأيي، فإن متطلبات النظام الإمبريالي العالمي هو تحويل النظم السياسية في دول العام الثالث إلى نظم كمبرادورية وظيفية, للمحافظة على مصالح مراكز رأس المال الاستعمارية. وبناءً على ذلك فقد بدأت حملة تطويع للنظم السياسية في هذه الدول فمنها من كان مطوع أصلاً, ومنها من خضع, ومنها من تمرد, وهذا اتخذت بحقه إجراءات قصرية لإخضاعه من خلال الغزو المباشر كما حدث بالعراق أو من خلال التلاعب في مكوناته الداخلية وتغيير شكل التعارض أو التناقض بينها من خلال استخدام إرثها التاريخي, واستحضار والتلاعب وإبراز الخلافات في العقائد الدينية والمذهبية واستخدامها لتدمير المجتمعات وتفتيتها.
وما يجري في سوريا منذ خمسة سنوات, يندرج تحت عنوان إخضاع الدول المتمردة على سياسات مراكز رأس المال, وسوريا خاصة شكلت دولة من العالم الثالث, التي تقدم كل الخدمات الضرورية لمواطنيها من صحية وتعليمية وخدمية مجانية, نتيجة لاعتماد اقتصادها على الموارد الوطنية واعتمادها سياسة اقتصادية شكلت نموذجاً لمثيلاتها. كان لا بد من تدفيع سورية الثمن غالياً, من خلال تدمير كل ما بنته الدولة السورية على مدار عشرات السنين, من بنية تحتية واقتصادية وعسكرية.
أما عن الوضع الفلسطيني, والذي كان يشكل الرصيد الأخلاقي لشعوب المنطقة. فقد اعتمدت سياسة ترويض منظمة التحرير الفلسطينية, وتفريغها من بعدها الوطني التحرري, من خلال التصفية الجسدية والاعتقال والإبعاد لقادتها, وإبراز قوى جديدة مرتبطة مصالحها الشخصية ومعيشتها بالمساعدات الغربية, بعد أن أفقدتها الحاضنة الاقتصادية لجماهير شعبها في الشتات, عبر قرارات مالية تحت عنوان محاربة الإرهاب, مما جعلتها خاضعة للدفعات الشهرية.
وفيما يتعلق بــ (إسرائيل) فهي دولة خارج القوانين الدولية, ولا تخضع للرقابة المالية, أو أية قرارات تخص حركة الأموال, مما أعطاها حرية في استقبال تدفقات الأموال غير الشرعية في بنوكها. وأعطاها الفرصة لتقييم أفضل العلاقات مع الشبكات غير القانونية لتستخدمها في سياساتها الأمنية. وأرى أن الصفات التي تطلق على سلوك الأنظمة السياسية من دكتاتورية واستبدادية وطائفية ومذهبية من قبل مراكز رأس المال, ما هي إلا لحرف جوهر الصراع ما بين التطلعات الوطنية للقوى التي تعبر عن وطنيتها في رؤية النشاط الاقتصادي وانعكاساته السياسية, والاجتماعية وبين القوى الكمبرادورية التي ترتبط مصالحها مع حركة رأس المال.