المواطن والبنوك بين الإذعان أو الإذعان
قصة المواطن في تنظيم وإدارة شأنه المالي (النسبة الكبرى من المواطنين) من خلال البنوك، تتحول إلى تسلط مبالغ فيه في كثير من الحالات. ويتعرض المواطن في ذلك للإحراج والإساءة من غير سبب أو فائدة أو ضرورة للبنوك. فالمواطن الذي يحوّل راتبه الشهري إلى البنك، يدير نفقاته والتزاماته من خلال ما فرضه البنك نفسه من قواعد والتزامات. ومع ذلك، تُخلّ بنوك بالشروط التي وضعتها هي ذاتها، وتقطع الطريق على المواطن، من غير ضرورة ومن غير علمه أيضا.
ذهب مواطن إلى بنكه صباح 20 أيلول (سبتمبر) الحالي ليتأكد من رصيده. وأودع في حسابه الفرق بين شيك مستحق عليه وبين الرصيد. ومعلوم أن شهر أيلول هو أصعب الأشهر وأجملها في العادة إلا في هذا العام؛ فقد كان حارا مغبرا، ولكنه في كل ذلك كان أقل قسوة من كثير من البنوك. وفي صباح اليوم التالي، ذهب المواطن ذاته إلى البنك ليودع ما دبره لتغطية شيك آخر. وبسبب تلك المصادفة، يخبره موظف البنك أن الشيك المفترض صرفه أمس قد أعيد لأن الرصيد لا يكفي! ذلك أن البنك بعد لحظات من إيداع المواطن في حسابه، اقتطع مستحقات بطاقة “كريدت” المفترض أن تسدد في 30 الشهر؛ فلماذا حجزها البنك في 20 من الشهر؟ لماذا لم يخبروا المواطن؟ تقول الموظفة للمواطن: خشينا أن تسحب المبلغ كله في العيد ولا يتبقى للبطاقة شيء، وليس لدى البنك رقم “موبايلك“.
البنك بالطبع أعدّ ونظّم وحدّث مرارا قاعدة بيانات عن العميل، وفيها من المعلومات ما يفوق تلك التي لدى أي جهة حكومية أخرى. والبنك يتلقى، ومنذ سنوات طويلة، الراتب الشهري للمواطن، وكل الحوالات والمبالغ الأخرى التي تصله. ويعلم موظفو البنك أن الراتب الشهري سوف ينزل قبل العيد، وقد نزل بالفعل بعد لحظات من اقتطاع قسط البطاقة وإعادة الشيك، وخصم البنك فورا 20 دينارا غرامة. أما مشكلة الشيك المرتجع فهي مشكلة المواطن نفسه، وتكرّم موظف البنك بالتوضيح والنصيحة أن يتصل بصاحب الشيك ويطلب منه إعادة إيداعه. لماذا يسارع البنك إلى اقتطاع مبالغ قبل موعدها بعشرة أيام، وهو يعلم ببساطة أن الراتب الشهري سوف ينزل في الحساب بعد قليل، وأن البنك يسيطر على دخل المواطن ويملك الضمانات الكافية ليستدّ الأقساط المستحقة، كما يملك أيضا ان يفرض غرامة تأخير لو لم يكن هناك في نهاية الشهر ما يغطي قسط البطاقة؟
البنك أيضا يحجز من أي مبلغ آخر يحول إليه لتغطية الالتزامات والأقساط والمستحقات المفترض أن تسدد من المكافأة الشهرية في موعدها، ويظل المبلغ المحول محجوزا أو يحجز منه بمقدار القسط حتى ينزل الراتب الشهري!
وهي مناسبة لعرض قصص كثيرة يرويها المواطن عما يلاقيه في بنوك، من مثل البطء المتعمد المهين، وتسليم المبلغ من غير القطع المعدنية اعتمادا على أنه سيخجل من طلبها، أو تعمد تقديم المبلغ ناقصا (وهذه معلومة مؤكدة) لعله يستلم المبلغ من غير أن يعدّه.
ماذا يفعل المواطن عندما تسلك المؤسسات الكبرى سلوكا صغيرا؟ ما مصير الثقة والحياة اليومية عندما تتساوى بنوك في سلوكها وطريقة عملها مع بائع الإشارات او بائع متجول يتبع استراتيجية المرة الواحدة “اضرب واهرب”؟ ولكن لماذا تفعل ذلك مؤسسات كبرى معروفة وذات اسم، يفترض أن تنشئ مصالحها على الثقة، عدا عن أنها لا تحتاج إلى هذا السلوك الصغير؟