الموازنة العامة.. ما الجديد؟!/ بقلم: د. سعيد ذياب
نعتقد أن التعامل مع الموازنة بدون امتلاك رؤية اقتصادية شاملة، وتحديد الأهداف المتوخاة منها، ستقودنا إلى الوقوع في الخطأ. فالتعامل معها كأرقام صمّاء وبشكل مجرّد وبعيداً عن انعكاسها على حياة الناس، حاضرهم ومستقبلهم، فإننا حتماً سنقع في تناقض مع مصالحهم وظروفهم المعيشية.
من هنا يأتي السؤال، هل حملت هذه الموازنة لهذا العام شيئاً جديداً؟ أم أنها لا تختلف عن سابقاتها شيئاً؟ إن الإجابة على هذا السؤال، هو الذي يحدد نظرتنا وموقفنا منها.
إن أي مراقب، سيجد أننا أمام موازنة نسخة عن سابقاتها، فهي لا تزال تعاني من عجز كبير لم تتعامل الحكومة بجدية ومسؤولية على تخفيضه. فهذه الحكومة سعت لتغطية هذا العجز من خلال المساعدات الخارجية، وفرض رسوم جديدة، ورفع أسعار الكهرباء والماء والخبز، تحت غلاف إيصال الدعم إلى مستحقيه. أي باختصار، تحميل الشرائح الفقيرة عبء هذا العجز، أما الجزء المتبقي من هذا العجز، فإن الاستدانة كفيلة بتغطيته، فحكومتنا سجلت أرقاماً قياسية في عملية الاستدانة.
لقد وصلت المديونية إلى حوالي 82% من الناتج العام، هذا يعني فيما يعنيه خدمات دين سنوية من رسوم وأقساط وأعباء ستتحملها الأجيال القادمة، وارتهان كامل لإرادة الدائنين. إن ما يجعل المديونية أكثر خطورة أنها تتم لتغطية النفقات الجارية، وليس لأجل إنفاق رأسمالي من شأنه توليد قيمة مضافة جديدة وفرص عمل جديدة.
إن الحكومة وعبر السنتين الماضيتين، لم تحاول معالجة المديونية، ولم تضع سقفاً زمنياً لتجاوز تلك الظاهرة، ولم تبذل أي جهد لضبط الإنفاق ووقف الهدر المالي، ولم تعمل على معالجة الفساد والتهرب الضريبي، بل اختارت أسهل الطرق وأيسرها .. جيب المواطن.
وزير المالية عمر ملحس يبشرنا بأن صندوق النقد الدولي يطالب بإصلاحات اقتصادية صعبة في المرحلة القادمة. هذا يعني أننا نتجه نحو مزيد من المعاناة الاقتصادية ومن ارتفاع الأسعار.
نحن مجتمع غارق في الاستهلاك وثقافة الاستهلاك، ولن نتمكن من معالجة مشكلاتنا إلا بمغادرة هذه الثقافة، والذهاب -بوعي كامل واستعداد لتحمل تبعاتها- نحو الإنتاج وثقافته، فهو وحده المدخل الصحي والطبيعي للانطلاق. فالرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانحدار نحو الهاوية.