المشاركة المجتمعية أم التعديلات القانونية .. اللبنة الأساسية في تمكين المرأة/ بقلم: رانيا لصوي
في قراءة موضوعية لصياغة آليات وأدوات تمكين المرأة وتحقيقها لدورها وهدفها، لا بد من الوقوف أمام دور القوانين والتشريعات في خلق حالة داعمة لنضال المرأة أو استمرار قوقعتها وفرض التابوهات المحرمة عليها والممنوع النقاش فيها.
وهنا يبرز السؤال الأهم في الآليات والأدوات الممكن استخدامها لتصل النساء إلى تحقيق أهدافها.. ما هو دور القوانين والتشريعات في دعم وتمكين المرأة ونضالها؟ وهل الأصل أن يكون نضال المرأة نخبوياً باتجاه تغيير القوانين والتشريعات أولاً؟ أم أن يكون اجتماعياً لتغيير نظرة المجتمع ورؤيته فيكون التأثير والمراكمة باتجاه تغيير القوانين وإعادة صياغتها بما يضمن تحقيق المساواة المطلوبة للمرأة وتمكينها؟!
بالاستناد إلى جوهر عملية سن القوانين والتشريعات في العالم، نرى أنها وضعت لتنفيذ سياسات معينة وتمرير مفاهيم وأفكار تعبر عن الطبقة الحاكمة وتلتقي مع مصالحها، وبالمضمون ستكون انعكاساً للوعي المجتمعي والنمط السائد، وهذا يؤكد على جدلية العلاقة بين القانون وتفكير واضعه وتركيبة مجتمعه.
إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوانين وانعكاسها على المرأة، والتشريعات التي تخص قانون العمل والضمان الاجتماعي مثلاً تلقي بظلالها على قدرة المرأة على العمل وإثبات ذاتها وتحقيق تطورها وبالتالي ضمان وصولها إلى مواقع القرار وإعدادها لتكون فاعلة ومؤثرة في تشريع القرار. استقلال المرأة اقتصادياً هو ركن هام تستند إليه في مراحل تطورها وتحررها من قيود المجتمع وذكوريته.
على عكس ما يمكن أن نقارنه بقوانين الأحوال الشخصية وما يتفرع عنها في ما يخص الزواج وفسخه، حضانة الأطفال ومنحهم الجنسية، نفقتهم، إضافة إلى العديد من الأمور الشائكة كالمساواة في الميراث أو الشهادة.. إلخ، لنصل إلى حاضنة حقيقية تضمن المساواة بين الرجل والمرأة. فهذه القوانين تعتبر الأقرب إلى ذهنية المجتمع وبيئته بما توارثه من عادات أو استند عليه من شرائع سماوية، وتدخل في نقاشات الرفض المطلق وعدم تقبل حتى النقاش فيها والحوار.
ما يخص المرأة من قوانين لا ينعكس على تمكينها فقط أو يساهم في تطوير وجودها في المجتمع، وإنما قد يكون عاملاً أساسياً في إيقاع الظلم والتمييز تجاهها. فلا يمكننا أن نغفل دور القانون والتشريعات في “تسهيل” العنف ضد المرأة ربطاً بأن هذه التشريعات تقوي الرجل عليها وتعطيه المبررات المختلفة لممارسة العنف بكافة أشكالة عليها دون عقاب أو محاسبة قانونية. وبوجود الأعراف الاجتماعية – الوجه الآخر للقانون – نجد أداة جديدة لتعزيز التمييز ضد المرأة وممارسة العنف عليها فكان حتى الإبلاغ عن تعرضها للعنف أو التحرش من المحرمات، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً وإن كان محدوداً بهذا السياق أسفر عن حالات إعلان وافصاح وملاحقة قانونية من معنفات وقع عليهن العنف أو التحرش. ولكن هذه الجرأة الأدبية من النساء في الإعلان والتبليغ تصطدم بغياب الرادع الحقيقي والعقوبة المناسبة للفعل.
هذا التداخل الواضح ما بين التشريع والقانون والتنمية المجتمعية والوعي، يصل بنا إلى ضرورة العمل ضمن منظومتين، الأولى خاصة بالتوعية المجتمعية، والثانية نخبوية خاصة بتعديلات القوانين والتأثير على الحكومات وواضعي التشريعات.
لكن اللافت ذكره هنا أن ذات الذهنية الرافضة في وطننا العربي لهذه المفاهيم النسوية الجادة بهدف الوصول إلى القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، نجدها منساقة قابلة في دول الغرب المتحضرة بهذا السياق، وملتزمة بالقوانين ومطبقة لها حتى وإن كانت في خلاف مع الشرائع الدينية والأعراف الاجتماعية المتوارثة.
المناداة بتعديل القانون هي شكل من أشكال التوعية المجتمعية، وتعديل القانون هو قرع الخزان باتجاه تقبل الفكرة وتطبيقها والتعامل معها، وما يمكن إنجازه نخبوياً يجب عكسه وتطبيقه اجتماعياً، والعمل على الالتزام به.
وما بين هذه الخيارات كلها يبقى نضال المرأة الأصعب بحاجة إلى مراكمة وتوحيد الجهود القانونية والمجتمعية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية. واستغلال كافة الوسائل الممكنة من أجل نشر الفكرة وإيصالها إلى أكبر عدد ممكن وأكثر الشرائح تنوعاً.