مقالات

القومية العابرة للقارات

في القرون الوسطى، وموازاة مع تبلور الرأسمالية الغربية، وتحوّلها من مرحلة الرأسمالية التنافسية الى مرحلة الامبريالية الاستعمارية التوسعية، وموازاة مع الاكتشافات الجغرافية والبحث عن المعادن الثمينة،من جهة، وموازاة مع محاصرتها للإمبراطورية العربية ـ الاسلامية وإعاقة التحول الاجتماعي الشرقي عن المرور من «مرحلة البرجوازية التجارية» أعلى مراحل «النظام الإقطاعي»، وعرقلة مرورها للمرحلة الرأسمالية الصناعية، واستبدال العواصم الدولية الشرقية العربية والإسلامية بعواصم أوروبية غربية من جهة أخرى. في هذا الوقت كانت الحركة «الأصولية المسيحية البروتستانتية»، أي «الحركة التطهيرية»البيوريتانية، كانت تطرح «إعلانها الصهيوني الأول» وتقترح على حكومة الجمهورية البريطانية حكومة «اوليفر كرومويل» سنة 1649م، بتعهُدها بنقل اليهود من خارج بريطانيا الى ارض الميعاد، هذا إذا ما عرفنا أن بريطانيا آنذاك كانت خالية و»مُطهرة» من اليهود نهائيا بعد اضطهادهم وطردهم من انجلترا..


هذا وقد عانت البشرية من وطأة التوسع والابادة الاستعمارية الامبريالية، يقودها المغامرون الامبرياليون من الحركة ـ»الاصولية المسيحية،اليروتستانتية البيوريتانيةـ «ـ الصهيونية ـ.، في هذا الوقت كان الصراع القومي يتأجج بقارة اوروبا. وأخذت برجوازية الأقلية اليهودية بألمانيا، تطالب بإنشاء «دولة قومية» خاصة بالأقلية الدينية اليهودية الألمانية على غرار بقية شعوب أوروبا, ومن هنا نشأت ما تسُمي بـ»المسألة اليهودية»، والمطالبة باستقلال «الأقليات اليهودبة» وفصلها عن شعوبها عبر العالم، الشيء الذي رفضته بقية الشعوب..، ويعتبر ذلك تعزيزا لعزلة الأقليات اليهودية وفصلها عن شعوبها، كما رفضته «قوى الاشتراكية العلمية الماركسية» آنذاك، وعلى رأسهم الفيلسوف والعالم الاقتصادي الألماني مكتشف الاشتراكية العلمية «كارل ماركس». ونهاية القرن التاسع عشر تم تحيين وتجديث الحركة الصهيونية بقيادة «ثيودور هيرتزل» انعقد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية في مدينة «بازل» بسويسرا بتاريخ 29 اغسطس1897م. وفي نهاية الحرب العالمية الاستعمارية الاولى 1914ـ 1917م تحصّلت الحركة الصهيونية على الاعلان الإمبريالي الثاني: «وعد بلفور» ـ بلفور وزير الخارجية البريطانية انذاك بتاريخ ـ 02/ نونبر/1917م، من زعيمة الامبريالية الاستعمارية آنذاك بريطانبا العظمى، بإقامة «وطن قومي لليهود»،بفلسطين، بعد أن قدّمت الحركة الصهيونية كل الاستعدادات والضمانات السياسية لتكون «كلب حراسة للمصالح الامبريالية بالمنطقة والعالم .
فالإيديولوجية الصهيونية وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم «3379، القائل : «إن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، والتمييز العنصري.» ويطالب القرار الصادر بتاريخ 10/ نونبر/1975، جميع دول العالم بمقاومة الايديولوجية الصهيونية التي تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين.
وبتاريخ 19/ يوليوز/2018، صوّت الكنيست بالكيان الصهيوني»اسرائيل» على «قانون القومية اليهودية» (موافقة 62 نائبا، ومعارضة 55 نائبا، وامتناع نائبين عن التصويت)، واعتبار هذا القانون «قانون أساس» وللعلم أن الكيان الصهيوني ليس لديه دستور، فالقوانين الأساس تعتبر بمثابة نصوص دستورية. فالغايات الكبرى التي تقوم عليها الصهيونية، هي: ـ اغتصاب الأرض، والتهويد، والاستيطان، والتمييز العنصري…. . إن فكرة يهودية الدولة غاية قديمة يتم تحديث تنفيذها لتنسجم مع طبيعة هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني العنصري، (نظام «الأبارتهايد»). ف»القومية اليهودية» تحوير صهيوني «للديانة اليهودية»من «ديانة سماوية عالمية» الى قومية، وبالتالي تكون قومية دولية عابرة للقارات لكل يهود العالم اينما وُجدوا، ومهما اختلفت أصولهم وقومياتهم ولغاتهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وتاريخهم.. بهذا المقياس يتم تهميش كل المقاييس البشرية العلمية الحديثة المتوافق حولها دوليا في تحديد مفهوم القومية وهي : «الأرض» الوطن، واللغة، والعادات والتقاليد، والتاريخ المشترك. فالإيديولوجية الصهيونية العنصرية الاستيطانية تقنن دينيا استغلالها للأقليات الدينية اليهودية وتجردهم من قومياتهم الحقيقية. فاليهود ابناء فلسطين هم فلسطينيون، ووفق مقرّارات المجلس الوطني الفلسطيني 1964م: «اليهود الذين هم من أصل فلسطيني يعتبرون فلسطينيون»، والمادة السادسة من الميثاق الوطني الصادر عام 1968م تنص على أن «اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيين»، واليهود من أصل هندي والمقيمين بالهند هننديون، واليهود من أصل صيني والمقيمين بالصين صينيون. واليهود من أصول أوروبية والمقيمين باوروبا اوروبيون، واليهود من أصول افريقية والمقبمبن بافريقيا افريقيون، وهكذا دواليك، وكل يعتز بقوميته. واذا ما انسحب المنطق الخرافي الصهيوني على بقية الأديان كقوميات، يصبح كل المسلمين من قومية واحدة، وكل المسيحيبن من قومية واحدة، وغيرها من الديانات كل منها يشكل قومية محددة خاصة بها !!! منطق خرافي لا عقلاني لا يمُث بالواقع بصلة، ومرتبط بالمرحلة الاجنماعية القبلية، منطق جامد لا يؤمن بالتطور الاجتماعي البشري…
فاليهود االمقيمون بفلسطين قبل الغزو الاستيطاني الصهيوني لفلسطين في القرن التاسع عشر هم فلسطنيون عرب، ولقد تعرضوا للاضطهاد الصهيوني الامبريالي، كما تعرض بقية سكان فلسطين، فقد تعرضت بلادهم فلسطين للاستعمار الامبريالي الصهيوني الاستيطاني… فوفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الصادر بتاريخ 10 نونبر1975، أُعْتُبِرَت «الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». وطالب القرار نفسه جميع دول العالم بمقاومة الإيديولوجية الصهيونية، التي تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين. «فقانون القومية» العنصري الصهيوني قائم على أساس التمييز العنصري الديني. وينصّ على أن : «دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي، والثقافي، والديني، والتاريخي لتقرير المصير»، ويعتبر أن «ممارسة حق تقرير المصير في «دولة إسرائيل» حَصْريِّ للشعب اليهودي».، ويؤكد القانون أن: «العبرية هي لغة الدولة»،. ويعني كل هذا، إلغاء كامل حقوق شعب فلسطين، وأن حق المواطنة هو لليهود المستوطنين الصهاينة فقط،، بل ويمهد لطرد كل الفلسطينيين سكان فلسطين الأصليين. إن فكرة نقاء الدولة اليهودية التي تقوم عليها «يهودية الدولة» فكرة عنصرية لا يمكن أن تكون قائمة في دولة حديثة وديمقراطية. وللعلم لم يذكر القانون كلمة «الديمقراطية» لا من قريب ولا من بعيد..
لقد سقطت ورقة التوت التي كان الاستعمار الصهيوني يستتر بها، بالإدعاء أن دولة الكيان الاستعماري الصهيوني»اسرائيل» «نظامها السياسي ديمقراطي.» فالدولة المعاصرة هي دولة القانون التي يتساوى فيها جميع مواطنيها أمام القانون في الحقوق والواجبات، وضمن حدود جغرافية محددة، والنظام الديمقراطي يعني حكم القانون والمواطنة الكاملة والمساواة، وحق تقرير المصير لجميع مواطني الدولة.
يخالف «قانون القومية» الصهيوني؛ المبدأ الدولي، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التوصية رقم (2131) الصادر في 21 ديسمبر 1965، الذي ينص على «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها»، في إيطار حدودها الجغرافية المحددة للدولة. فالكيان الصهيوني كيان امبريالي استعماري استيطاني عنصري توسّعي واليد الطولى للامبريالية والصهيونية الدوليتين، لقد ترك حدوده غير محددة، وعُرْضة للتغيير المستمر، والتوسع على حساب الدول الأخرى، تبعا لموازين القوى الامبريالية الصهيونية الدولية، وقانون «القومية اليهودية» الصهيوني، خطوة استعمارية يمنح فيها الكيان الصهيوني لنفسه الحق في التدخل في شؤون الدول الأخرى التي يشتمل مواطنيها على أقلّية دينية يهودية، و بذا يُقنن الكيان الصهيوني»إسرائيل» التدخل في شؤون كل دول العالم التي يوجد لديها مواطنين يعتنقون الديانة اليهودية حيث يعتبرهم الكيان الصهيوني جزء من جالياته.
كما يُقرر هذا القانون أن «الدولة تكون مفتوحة أمام الهجرة اليهودية»، و»تعمل الدولة على المحافظة على الميراث الثقافي والتاريخي والديني اليهودي ) الخرافي القبلي( لدى اليهود» بالعالم. وبالتالي فرض عادات وتقاليد ومفاهيم خرافية واسطورية وعنصرية،على المقاس العنصري الصهيوني الاستعماري. تفرضها على كل الأقليات اليهودية بالعالم، وفرض حتى لغة محددة على كل الأقليات الدينية اليهودية عبر العالم. فالقانون لا يُشرعن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فحسب، وإنما يمهد لمزيد من الاحتلال والاستيطان الصهيوني. وينص قانون القومية على أن «الدولة تكون مفتوحة أمام الهجرة اليهودية»، وتعتبر دولة الكيان الصهيوني تطوير الاستيطان اليهودي كـ «قيمة قومية»، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته، وهذا لا يعني أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، المحتلة عام 1967م، فحسب وإنما يمتد إلى خارجها، وتعتبر فلسطين مجرد نقطة انطلاق، والانطلاقة الأولى نحو «إسرائيل الكبرى»، فالفقرة (أ) من المادة الأولى من «قانون القومية اليهودية» تنص على أن : «أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل»، ومن المعروف جيدا أن عبارة «أرض إسرائيل»هذه لا تعني فلسطين التاريخية فقط، بل تعني عند «المتدينين اليمينيين» الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات. وستحتاج الصهيونية لاحقا إلى قانون أساس آخر لتحديد حدودها الجغرافية.
الصهيونية تدعي احتكار الحقيقة وتريد أن تفرض على العالم كله وجهة نظرها الاستعمارية الاسطورية وروايتها الخرافية المزيفة بشأن التاريخ والحاضر والمستقبل، عبر سلسلة من المغالطات التاريخية والأساطير الدينية الخرافية القبلية، والقوانين العنصرية. إن الصهيونية وكافة ممارساتها وقوانينها العنصرية تقف ضد التطورات المعرفية العلمية والتكنولوجية، وضد ثورة المعلومات التي توصلت إليها البشرية والتي تعمل على إتاحة تواصل البشر وانفتاح حضاراتهم، وتسمح بحرية تنقل الأفكار والأشخاص وتعزيز سبل التعاون بينهم. فالصهيونية كنتوء استعماري امبريالي أقامت كيانها وسط محيط مختلف تماما ثقافيا وحضاريا، كجسم غريب يفصل بين جناحي الامة العربية والاسلامية، وبالمنطقة المطلة على منابع المواد الخام من البترول وغيره، وعلى مسار الطرق التجارية البرية والبحرية والجوية الرابطة بين القارات الثلاث ـ افريقيا. اسيا. اوروباـ. فمن الطبيعي أن تُعادي الشعوب والقوى الحية والحرة بالمنطقة هذا الكيان ما دام قائما على الاستيطان الاستعماري والتمييز العنصري. ف»قانون القومية» يعري وجه وجوهر الصهيونية، كنتوء امبريالي استعماري، والتي ظلت لعقود طويلة تقوم على الخداع والنفاق والتآمر وإخفاء وتزوير الحقائق، وهي تقوم على العقلية القبلية الخرافية. إن الصهيونية الدولية صنيعة الامبريالية الدولية، وكانت دوما نسنظل تحت كنف وحضانة الامبريالية وزعامتها من بريطانيا وفرنسا، إلى الولايات المتحدة الأميركية الآيلة الآن للإنزياج والإفلاس، والتي فعل فيها «فيروس كرونا كوفيد 19» فعله، وفضح عجزها،وأنها ليست اكثر من «نمر من ورق»، وتمّ زحزحتها وإزاحتها من مكانها كدركي دولي. وبذا انكسر ظهر توابع الامبريالية الأمريكية وأذنابها بما فيها الكيان الصهيوني نفسه «إسرائيل»، وكل العظايات السّامّة، والضباع، والثعالب، من الرجعية الليبرالية المتوحشة محليا واقليميا ودوليا .
إن الأزمة الدولية تشير نحو اتجاه رفض الأقليات الدينية اليهودية الانصياع للصهيونية والامبريالية البغيضتين، وتجدر نضالها ووحدتها وانسجامها واندماجها داخل شعوبها وأوطانها الأصلية، ورفضها للفكر الصهيوني العنصري الخرافي، الشيء الذي يُسعّر النضال اليهودي التحررى ضد الصهيونية والامبريالية العالمية، ورفض انصياع اليهود كأقليات دينية للفكر الصهيوني. إن «قانون القومية» يقنن رسميا «دولة الأبارتهايد الديني»،. يشكل الكيان الصهيوني»اسرائيل»عنصر تفجير لكل الأوطان، والتدخّل في شؤونها الداخلية. إن تدخل الكيان الصهيوني»اسرائيل» في الشؤون الداخلية لبفية الدول بإقراره «قانون القومية»الصهيوني العنصري عابر القارات. والذي أصبح مقنن رسميا بالنسبة للكيان الصهيوني «إسرائيل». وضع وطني وقومي ودولي متغير في ايطار حتمبة تاريخية تفرض ذاتها بانزياح الامبريالية الصهيونية الشيء الذي يستدعي :
ـ انبعاث «عنقاء الشعوب الحرة»، الشعب الفلسطيني الموحد في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء وجود سلطتين برأسين متنافسين على استغلال نفوذ السلط على حساب تحرير فلسطين كل فلسطين، وقيام فلسطين الديمقراطية التي تتسع لكل ابنائها.
ـ تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وكسلطة تشريعية تقود كفاح الشعب الفلسطيني التحرري الديمقراطي،
ـ بناء سلطة وطنية ديمقراطية موحدة تحت توجيه ومراقبة منظمة التحرير الفلسطينية.
ـ ضمان استمرار الانتفاضات الشعبية، التي توفر ظروف التعبئة الشعبية، ووسائل النضال، وتضمن إرباك العدو وانهاكه، وتفكيك «المجتمع الصهيوني» المفتعل.
ـ تفعيل وتعزيز جبهة التحرير القومية الديمقراطية المقاومة، التي ترفض كل أشكال الخنوع والإنصياع والتطبيع مع الكيان الصهيوني الامبريالي الإستيطاني. والتنسيق مع الجبهة الانسانية العالمية المناهضة للإمبريالية والصهيونية .

بواسطة
محمود عبد الرحمن البوعبيدي/ المغرب/الرباط
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى