مقالات

القنطار، بعد الحرية… حتى الشهادة؛ “دماؤنا متساوية!”

“لقد عدت اليوم من فلسطين، لكن صدقوني، لم أعود إلا لكي أعود لفلسطين!”، هنا كانت البداية؛ بداية مرحلة جديدة من مراحل الصراع المستمر مع العدو الصهيوني، واستئناف المواجهة الميدانية، والاستعداد للتضحية بلا حدود وبذل أقصى الإمكانيات لتحقيق ذلك.

سمير القنطار، الشاب اللبناني ابن الجبل، الشاب الجاد المسؤول المؤمن بقضية ويحمل همها ويقاتل من أجلها… هكذا عرفناه…
سمير الشاب يُعبّر هنا عن جيل من الشباب العربي الجاد المسؤول؛ الشباب العربي الذي آمن بفلسطين، وقاتل على طريق فلسطين، والتحق وقتذاك بفصائل المقاومة الفلسطينية واستشهد كثير من رفاقه على أرض فلسطين.
صمد سمير في سجنه قرابة الثلاثين عاماً… ثلاثون عاماً قضاها سمير في سجون الاحتلال، وكان فيها صامداً، لا يخضع ولا يساوم ولا يضعف أمام السجّان حتى استحق عن جدارة لقب عميد الأسرى اللبنانيين والعرب في سجون الاحتلال الصهيوني.
أصرّ سمير على مواصلة الطريق التي كان قد بدأها شاباً، واختار بعد تحريره من السجن أن يقاتل الاحتلال ليس فقط بالكلمة ولكن بالفعل المقاوم أيضاً، ومما نعرف جميعاً اختار دخول المجال العسكري ليبقى في قلب المشروع المقاوم. والتحق بالعديد من الدورات العسكرية لرفع كفاءته، ثم اختار سلاح ضد الدروع الذي كان يحظى باهتمام خاص لديه لما كان يحمله من انطباع عن هذا السلاح ودوره وأهميته في حرب تموز 2006، ثم اختار أن يكون متواجداً في خط المواجهة الأمامي، على الرغم من ارتفاع احتمالية استهدافه في هذه الحالة.
تتالت الأحداث إلى أن حصلت تطورات الأزمة السورية، وحصلت إمكانية انطلاق مقاومة سورية شعبية، فقرر سمير أن هذا هو المكان المناسب له والذي يستطيع أن يقدم فيه شيئاً مميزاً. واختار الجولان السوري المحتل لخصوصية لديه نعرفها جميعاً، وهنا بدأت مرحلة جديدة للمقاومة على الحدود السورية.
كان الطرف “الإسرائيلي” يتعاطى مع الموضوع بتوتر عال جداً، لأنه يريد وأد هذا المشروع المقاوم الجديد في بداياته، ولأن العدو يعرف جيداً ما يعنيه وجود مشروع مقاومة سورية شعبية في مجمل الصراع العربي – الصهيوني، ولذلك أيضاً لاحق ويلاحق كل الأفراد الذين انتموا لهذه المقاومة، وهو ما يدل على مدى حساسية هذا الأمر لدى الطرف “الإسرائيلي”.
كان سمير يلعب دور المساعدة والمساندة، ونقل التجربة ودعم إرادة المقاومة السورية. لذلك كنا نجد العدو الصهيوني يتعاطى مع الجولان بهذه الحساسية لأنه لا يريد أن يُفتح باب من هذا النوع، ليس فقط من أجل تحرير الجولان واسترجاعه، بل في الحد الأدنى – إن لم ينجز التحرير – فإن ذلك يُعيد الجولان المحتل إلى الخارطة السياسية والشعبية؛ وهو ما دفع العدو الصهيوني للتعدي وتجاوز جميع قواعد الاشتباك الجديدة لديه، وقصف جرمانا في ريف دمشق في مبنى سكني ليغتال سمير ورفاقه المقاومين الذين كانوا معه.
القنطار وأمثاله يشكلون تياراً قوياً في مواجهة عملية “كي الوعي” التي يمارسها الاحتلال الصهيوني، كجزء أساسي في الحرب النفسية والثقافية والفكرية التي يمارسها العدو، لأن من يفقد الأمل بالانتصار وثقته بنفسه وبقدرته على الصمود، يتكرّس لديه اليأس وينتهي عنده كل شيء.
وهذا التيار يقف في مواجهة المنطق الذي يقول أن “إسرائيل” قدر قائم لا مفر منه، ويجب علينا التعاطي معه بمنطق القبول والخضوع والتعايش والتسليم بما يريد، وهو منطق لا منطقي؛ لأنه واستناداً إلى الحتمية التاريخية لتجارب الشعوب فإنه ومهما طال بقاء أي قوة احتلال لكنها في النهاية حتماً ستزول!
وهنا، تقول مدرسة سمير القنطار، مدرسة المقاومة: “أن شعب المقاومة لا مكان لديه لأي يأس!”، تماماً كما قالت وتقول مدرسة الشعب الفلسطيني كلمتها اليوم، بعد 67 سنة على الاحتلال والتهجير والمجازر والدمار والسجون والحصار والتجويع، نُسطّر كلمتها بالدماء على السكاكين وابتداع أساليب واشكال جديدة للمقاومة والمواجهة.
قنطار البطولة والمقاومة الشهيد الأقرب إلى كافة الفصائل الفلسطينية، والذي نعته الفصائل الفلسطينية قبل القوى اللبنانية، لا يشكك في شهادته وبطولته وعشقه لبوصلته فلسطين إلا من كان شريكاً للصهيوني في قتله أو ضللته وسائل الإعلام الرجعية. فشهيد بقامة سمير القنطار لا مجال للاختلاف عليه.
يقول الثائر الأممي تشي جيفارا؛ “ليس المهم أن تبدأ مناضلاً، المهم أن تنتهي كمناضل”، وقد جسّد سمير القنطار تلك المقولة بشكل كامل، فبدأ مناضلاً وانتهى مناضلاً.. قنطار من العمر في الأسر في السجون الصهيونية.. وقنطار من النضالات والبطولات والمقاومة.. وقنطار من العزة والكرامة والإباء.. حتى الشهادة.. دماؤنا متساوية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى