أخبار محلية

القطاع الصناعي يتلقى ضربات حكومية متتالية، واتفاقيات التجارة أضرّت بالصناعة الوطنية

“إن للاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات مع مختلف دول العالم سلبياتها أكثر من إيجابياتها، حيث إن اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوربي، لم يكن لها تأثير إيجابي يذكر، وذلك لارتفاع الصادرات الأوروبية إلى الأردن، ولم يحصل ارتفاعاً مماثلاً في الصادرات الأردنية إلى أوروبا، وذلك بسبب قواعد المنشأ التي يصر عليها الاتحاد الأوروبي والتي تعد مجحفة للصناعة المحلية والتي تمنع تطور التصدير إلى الأسواق الأوروبية”.

من تقرير غرفة صناعة الأردن
حول معيقات العمل في القطاع الصناعي
مع انطلاق شرارة الثورة الصناعية في بريطانيا باكتشاف الآلة البخارية في ستينيات القرن الثامن عشر، تسارعت وتيرة التطور الصناعي، فانتقلت الثورة الصناعية إلى فرنسا وألمانيا لتعم معظم أرجاء أوروبا وتنتقل أميركا الشمالية في مطالع القرن التاسع عشر. لتصبح الصناعة هي الركن الأساسي والرئيسي لدخل الدول المتقدمة.
ودائماً ما يقاس تطور الدول وتقدمها بإنتاجها الصناعي. ويعد قطاع الصناعة ركيزة هامة من ركائز التنمية طويلة المدى في اقتصاد الدول المتقدمة، كما أنه أحد أهم مصاد تنويع الدخل القومي. وتسهم الصناعة في تحقيق قيمة مضافة أكبر للموارد الطبيعية من خلال تحقيق القيمة المضافة إليها.
ويعد القطاع الصناعي في الأردن من أهم القطاعات الداعمة للاقتصاد وأحد أعمدته الرئيسية، حيث يساهم هذا القطاع الحيوي بما يعادل 25% من إجمالي الناتج القومي الأردني, وحوالي 90% من إجمالي الصادرات الأردنية وذلك ما يعادل حوالي 8 مليارات دينار أردني، تساهم في دعم وتعزيز مكانة الدينار وثبات صرفه وجاذبيته، كما ويساهم في قيمة التحصيلات الضريبية بما يعادل 8% من قيمة الإنتاج.
وهو يستقطب ما نسبته حوالي 80% من الاستثمار الخارجي، ويساهم في تشغيل حوالي ربع مليون عامل يعيلون حوالي مليون مواطن أردني ويساهمون بحوالي مليار دينار أردني سنوياً من الدخل القومي.
وحسب بيانات غرفة صناعة عمان للعام الماضي، بلغ إجمالي المنشآت المسجلة لدى الغرفة 9 آلاف و161 منشأة منها 1514 منشأة صناعية و7647 منشأة حرفية، بإجمالي رأسمال يبلغ 3 مليارات و982 مليون دينار وتشغل نحو 151 ألف عامل.

فاتورة الطاقة وإغلاق المصانع
بلغت صادرات غرفة صناعة عمان خلال العام الماضي 4,251 مليار دينار مقارنة مع 3,939 مليار دينار عام 2014، بنسبة زيادة بلغت 8 بالمئة. وتوعز غرفة صناعة الأردن أسباب الارتفاع إلى زيادة الصادرات التعدينية بنسبة 51 بالمئة والإنشائية 32 بالمئة.
ويرى رئيس غرفة صناعة عمان العين زياد الحمصي في تصريح لوكالة بترا أنه “بالرغم من الزيادة التي طالت الصادرات، إلا أن 6 قطاعات صناعية شهدت تراجعاً خلال العام الماضي، وهي: الصناعات العلاجية بنسبة 5 بالمئة، والهندسية بنسبة 13 بالمئة، والغذائية 1 بالمئة، والتعبئة والتغليف 4 بالمئة، والبلاستيكية والخشبية بنسبة 18 بالمئة، لكل قطاع على حدا.
وتعتبر ارتفاع فاتورة الطاقة من أهم المعضلات التي تواجه القطاع الصناعي. حيث شهدنا رفع لأسعار الكهرباء والمحروقات في الأعوام الأخيرة بشكل كبير ودون دراسة حكومية حقيقية للنتائج السلبية التي ألقاها هذه الرفع على قطاعات حيوية وعلى رأسها قطاع الصناعة.
وتساهم الطاقة في حوالي 30 – 40% من كلفة الإنتاج، ما يعني تحمل المصانع –وخاصة الصغيرة والمتوسطة- أعباءً كبيرة تؤدي إلى عجزها وعدم قدرتها على المنافسة خاصة وأن أسعار الوقود في الأردن تعادل أضعاف سعرها في الدول المجاورة. أضف إلى ذلك أن الصناعات في الدول المجاورة غالباً ما تحظى وتتلقى دعماً وحماية مباشرة من دولها، وهو الأمر المغيب لدينا في الأردن.
ويظهر الجدول المرفق حجم ما تكبده القطاع الصناعي من خسائر نتيجة السياسات الحكومية وأوضاع المنطقة. ووفقاً للجدول الذي قامت بإعداده غرفة صناعة الأردن، فإن عدد المنشآت الصناعية التي أغلقت في الأعوام ما بين 2010-2014:
1_ تم إغلاق ما يقارب الــ 7000 منشأة صناعية في خمس سنوات وهو رقم فلكي يظهر حجم الأزمة التي يعاني منها هذا القطاع وبخاصة المصانع الصغيرة والمتوسطة.
2_ بلغ عدد العمال الذين فقدوا وظيفتهم نتيجة إغلاق هذه المصانع ما يقارب الــ 45 ألف عامل وعاملة.
3_ تجاوز رأس مال هذه النشآت الـــ 700 مليون دينار.
4_ وبحسبة بسيطة فإن معدل رأس مال هذه المصانع هو 100 ألف دينار، ما يعني أن معظم المنشآت الصناعية المتضررة هي من المنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة.
وبحسب رئيس غرفة صناعة عمان العين زياد الحمصي تواجه الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل 95 بالمئة من مجمل الصناعات تحديات تتمثل بعدم القدرة على المنافسة، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الطاقة بالمملكة مقارنة بدول الجوار، ووجود سلع مستوردة تباع بأقل من كلف إنتاجها محلياً، وكذلك التعقيدات الإدارية غير الجمركية التي تفرضها بعض الدول. وذلك وفق تصريح أدلى به لوكالة بترا.
 

أحداث المنطقة وإغلاق الحدود
كما تعتبر الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية منذ أكثر من أربعة أعوام، وما نجم عنها من إغلاق للحدود الأردنية –السورية والأردنية –العراقية، كل هذه العوامل لعبت دوراً إضافياً في ضرب القطاع الصناعي. حيث أكد رئيس غرفة صناعة عمان العين زياد الحمصي أن استمرار إغلاق الحدود مع العراق وسوريا ناقوس خطر يهدد بوقف عجلة الإنتاج لبعض الصناعات الوطنية.
ويضيف الحمصي في مقابلة سابقة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن الاضطرابات السياسية والأمنية في بعض دول المنطقة والتي تعتبر أسواقاً مهمة للصادرات الصناعية أو محطة عبور لمناطق أخرى أثرت سلباً على منتجات الصناعة الوطنية وحملت الصناعيين كلفاً أعلى جراء ارتفاع كلف النقل البديلة وبخاصة إلى العراق.
 

اتفاقيات التجارة الحرة والإضرار بالقطاع الصناعي
الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات المتعاقبة مع دول العالم المتقدمة صناعياً كان لها سلبياتها التي طغت على إيجابياتها. فالأرقام أثبتت أن اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاوربي –على سبيل المثال- لم يكن لها تأثير إيجابي يذكر وذلك لارتفاع الصادرات الأوروبية إلى الأردن في مقابل انخفاض الصادرات الأردنية إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب قواعد المنشأ التي يصر عليها الاتحاد الأوروبي والتي تعد مجحفة للصناعة المحلية والتي تمنع تطور التصدير إلى الأسواق الأوروبية، وفق تقرير صادر عن غرفة صناعة الأردن.
وتطالب غرفة صنعة الأردن بضرورة إقران التجارة الحرة مع التجارة العادلة، مما يوجب على الحكومة مراعاة التجارة العادلة عند توقيع اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول المختلفة، حيث أن التجارة العادلة غائبة عن اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا على سبيل المثال، حيث لم يكن هناك ضوابط في الاتفاقية مما سيؤثر على القطاعات الصناعية الأردنية، حيث إن الصناعة التركية ضخمة وتعتمد اقتصاديات الوفرة التي تنقص الصناعات الوطنية بالإضافة إلى تلقي الصناعات التركية الدعم المباشر من الحكومة ما يجعل الصناعة الأردنية تدخل في منافسة غير عادلة مع الصناعات التركية، حيث أن اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا ستعرض الصناعات المحلية وخاصة الغذائية إلى مخاطر تسويقية كبيرة.
كما طالب العين زياد الحمصي رئيس غرفة صناعة عمان في مقابلة أجرتها وكالة بترا قبل أسابيع، طالب الحكومة بمراجعة الاتفاقيات التي تشكل تهديداً للصناعة الوطنية على المدى البعيد ومنها اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، والتي تعتبر القوة الاقتصادية 16 بالعالم، حيث لا يقتصر تأثيرها السلبي على القطاع الخاص وحرمان الحكومة من الرسوم الجمركية التي كانت تتقاضاها، في ظل تضاعف المستوردات منها بشكل كبير، فيما تشهد الصادرات إليها تراجعاً كبيراً نتيجة إغلاق الطريق البري عبر سوريا إليها.
 

خاوات وتعيينات بالإكراه
في تقاريرها التي تصدرها بشكل دوري، تشير غرفة صناعة الأردن إلى ظهور حالة خاصة ومقلقة في الأردن وهي الاعتداء على المصانع وفرض الخاوات على أصحابها من قبل بعض المجتمعات المحلية المحيطة ببعض المصانع في المناطق النائية، وذلك لأسباب في كثير من الأحيان تكون مفتعلة، إضافة إلى الضغوطات التي تتعرض لها بعض المصانع لتعيين أشخاص في هذه المصانع بعيداً عن الحاجة أو الكفاءة ولكن تحت بند “التنفيع”. وهو الأمر الذي حدا ببعض أصحاب المصانع إلى إغلاقها أو نقلها إلى مناطق أو بلدان أخرى.
 

حكومات “صندوق النقد الدولي”
يبدو أن حكوماتنا تظهر التزاماً تحسد عليه في تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي والخضوع لشروط الدول الكبرى لإخضاع الأردن وإبقائه تابعاً.
وتفانت حكوماتنا الرشيدة في سن القوانين التي تكرس الاقتصاد الأردني كاقتصاد خدمي بشكل أساسي، وليس اقتصاداً زراعياً أو صناعياً، حيث تشكل المكونات الخدمية ما يزيد على الــ 60% من الناتج الاقتصادي.
هذه السياسة الاقتصادية هي بالضرورة تضرب أي محاولات لتعزيز قطاع الصناعة الوطنية، فهي لا تقدم إجراءات جدية لحماية هذه الصناعة، بل على العكس، فإن معظم الاتفاقيات التي أبرمتها حكوماتنا المتعاقبة ساهمت في ضرب القطاع الصناعي بطريقة أو بأخرى حالها حال القرارات الحكومية الخاصة بهذا القطاع وبشكل أساسي القرارات المتعلقة بفاتورة الطاقة ورفع أسعار الكهرباء والمحروقات، وهي القرارات التي ضربت القطاع الصناعي بشكل كبير وأدت إلى إغلاق آلاف المنشآت الصناعية.
كما أن التشريعات الأردنية تكاد تخلو من أي حماية للعمالة الأردنية في مواجهة استسهال المستثمرين جلب العمالة الآسيوية “الأقل تكلفة”، وذلك نتيجة غياب التشريعات التي تؤمن للعمالة الأردنية حقها في العمل وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى