القانون “الإلهي” والقانون الوضعي
اسطوانة القانون الوضعي “المتغير” والقانون الالهي “الثابت” سلاح يستخدمه المتشدقون وراء القداسة الدينية ، ورواية عاطفية تسقط بمجرد سبر غور أي قضية رئيسية من قضايا الوطن .
عند الاطلاع على الصفحات والحسابات الشخصية للشباب الإسلامي على شبكات التواصل الاجتماعي، نلحظ أنّ العالم ينقسم بالنسبة لهم الى قسمين ، القسم الاسلامي بشكله السلفي/الاخواني ، وقسم آخر وهو يجمع كل من يحارب فكرهم ودولتهم المنشودة. فيغيب من هنا كل الفروقات بين التيارات الاخرى المتباينة بل والمتناقضة أحياناً .
وفقاً للخطاب الإسلامي في هذه الصفحات لا تجد فرقاً بين الاشتراكيين والليبراليين، أو الييروقراط واليسار.
كما يتم تفسير الحوادث بناءً على أن الكون كله يستهدف الإسلاميين و”إسلامهم”، بحيث تبدو هذه التحليلات أقرب للسخرية، وتصلح لتكون مادة دسمة لموقع الحدود الاخباري الساخر.
فوفقاً لهذه الصفحات، فإن السوفيات والامريكان كانوا متحالفين معاً في ضرب العالم الاسلامي .. إضافة إلى أن الحرب الباردة ما هي إلا مسرحية بين الطرفين لمواجهة الإسلام، تماماً كمسرحية الخلاف الروسي الامريكي في سوريا اليوم وانهم يجتمعون معاً “من تحت الطاولة” لاجل ضرب كل شيئٍ اسلاميّ” فكرة تلقى الرواج بينهم ، او انها -على اقل تقدير- تبدو مقبولة .
سأحاول أن أعرض لاهم قضايا بناء الدولة وكيف تعامل معها “الإسلاميون” – الدستور : يلقى شعار “القرآن دستورنا” رواجاً كبيراً في أوساط الإسلاميين، إلا أننا نذكر في عام 2011 عندما بدأت جولات التعديلات الدستوري في مصر أن التعديلات التي طُرحت للاستفتاء لا تتجاوز كونها تعديلات بسيطة في شكل الحكم ، وشعار القرآن دستورنا الذي يُلهب القلوب نصرةً للدين اختفى مع أول ممارسة ديمقراطية حقيقية ، واتفق الجميع على أهمية الدستور “الدنيوي” .
– قضايا الأردن الحالية ، البطالة وارتفاع المديونية : اسلوب الاسلام السياسي في التعاطي مع هذه الامور كان في شعار “الاسلام هو الحل” ، حيث كان شعار كافة حملاتهم الانتخابية منذ عام 1989 ولغاية عام 2007 ، ثم عاد واختفى في آخر انتخابات نيابية.
كيف يُمكننا أن نتعاطى -بناءاً على ذلك- مع مشكلات الأردن ؟ في البرنامج الانتخابي الذي طرحه التحالف الوطني للإصلاح –التحالف الذي قادته جبهة العمل الإسلامي-، تم تبني خطاب عمومي جداً ، مثل دعم الاستثمار وبناء المصانع ، ودعا التحالف إلى تبني “لامركزية رشيدة” من أجل حل المشكلة ، ولا يوجد مانع حقيقي لدى انصار القائمة ان يتغيّر النص ليصبح “تحكم حكومي اكبر في الاقتصاد وايقاف الخصخصة” رغم أنّ الشعارين مختلفين تماماً ، الا انّ حالة التعويم تسمح بالتغيير 180 درجة .
ومع ذلك ، لا افهم لماذا يعدّ هذا الشعار مستنبطاً من الفكر الاسلامي “الالهي” وغيره علماني و”وضعي” ؟ على الرغم أنّ مطلبهم في لامركزية الاقتصاد شبيه بنمط الحكم الليبرالي ، وأنّ نقيضه شبيه بالنمط الاشتراكي .
-الضرائب : في رؤية الحركة الاسلامية للاصلاح ، نجد دعوةً لتخفيض الضرائب قدر الامكان ، وفي “استراتيجية النهوض بالاقتصاد الوطني” يخصصون عنواناً للضرائب ، ليضعوا فيه احصائيات صندوق النقد الدولي ، ويشرحون فيه القانون الضريبي في الاردن، دون أدنى التفات الى مسألة مهمة في القانون نفسه ، وهو الفرق بين ضريبة الدخل وضريبة المبيعات ، الاولى التي تؤثر على الاغنياء والثانية التي يدفعها الفقراء بنسبة مرتفعة ، ودون لفت الانتباه كون الثانية تغطي حوالي 70% من الايرادات الحكومية يدفعها ذوي الدخل المحدود .
في رؤية الحركة ايضاً، تجد انها تدعو الحكومة للتقليل من الضرائب -بشكل عام- قدر الامكان في 3 سطور ، بينما تدعوها لرفع الضرائب عن “العمل الخيري وفق المنظور الاسلامي” الذي يوفر الحاجات الاولية للفقراء في 7 سطور .
انا لا انتقدهم هنا ، لكنني ابحث عمّا هو “الهي ثابت” في تشريعاتهم واقارنه بما هو “وضعي بشري” لدى الآخرين في القضايا الرئيسية لأي قطر عربي ، واحاول معرفة الفرق فقط ! فلم أجد في أي من منشوراتهم مثلاً أيّ استنباط اقتصادي من القرآن او الحديث النبوي ، ولا حتى أيّ قياس مما كان موجوداً لدى الخلافة قديماً التي يسعون لإعادتها اليوم.
ليس الهدف من المقالة مناقشة برنامج الحركة الاسلامية في الاقتصاد والخوض فيه لنقده ، بل هدفها ابسط من ذلك بكثير ، وهو نزع القداسة عنه ، وتناوله كما هو ، بدون كُتيّب على غلافه شعار “الاسلام هو الحل” أو “القرآن دستورنا” ..