الغشيم / إبراهيم منيب المومني
باء موسم القمح بحمد جزيل من الزارعين.
وقف أبو صالح على ضفة الحقل مطالعاً الصُفرة الذهبية المبسوطة بسرور ، قائلاً في نفسه : غداً نحصد ..
في تلك الأثناء كان صالح يجتاز البحر مُهاجراً إلى إيطاليا ، حين أقنع أُمه بفكرة السفر قالت بحُزن منيع : إنت بتعرفش تسبح.
الأمهات يقدرن البلاء قبل وقوعه، و عجلون بعيدة والبحر عريض كالسماء.
مسد أبو صالح شاربه و ابتسم لسهل القمح المفتوح على الأُفق، دعك منجله وقال: غداً .. غداً ..
- خمسمية جنية
رسبت مرارة في حلق صالح
- خمسمية كثير
شوف غيرنا ياض ، المهربين حيقشوك لما يعرفوا إنك اردني غشيم .
غشيم، المثل العجلوني يقول “غشيم ووقع بسلة تين”، لكن لا تين هنا، عناصر الأمثولة تفقد دلالتها خارج وطنها، لا أحد يعرف التين هنا، و لا أحد يكترث، فقط البحر المُسجى كجثة زرقاء هو ما يشرب الاهتمام والتوجس.
- موافق
بكرا نبحر
حمل أبو صالح مطرة الماء ، و زهواً شفيفاً ، بحث عن المنجل الذي خبأه في الأمس فوجده ، تأزر بكوفية خمرية و”بسم الله” كانت الشمس لم تطلع بعد.
القارب الواهن يمخر البحر، الشمس تُنصف السماء، وأبو صالح ينصف الحقل .
يوزع صالحٌ التين المجفف على مجاوريه، هذا من غانا وذاك من السودان والقاصر ذاك من الصومال، يلوكون الثمار الهلامية فلا يحبونها، يبصق الغاني الثمرة بتقزز في البحر، و يلتفت الجميع للمصري المنصوب كصارِ على مُقدمة المركب وهو يسب الأقدار فجأة و يحاول الالتفاف: البحرية الإيطالية .
يُحاصَر المركب ، ينقل الركاب الى البر الآمن، أفارقة ووجه عربي، أكوامٌ مملوءة بحُلم الهجرة إلى كوكب أوروبا الشقراوات و النبيذ المُعتق في البيوت لا في سناسل الحقول.
مخيلات لم تدرِ بتوقيع السلطات المصرية لاتفاقية منع الهجرة غير الشرعية مع الطليان.
” غشيم وقع بسلة تين ” ..
ثمرة تين وسط لجاجة البحر ..
عربي وسط أفارقة ..
أبو صالح يشعل سيجارة ” الريم ” و يضخم إنجازه بسد الفراغ الذي تركه صالح في موسم الحصاد.