العودة إلى المفاوضات.. لماذا؟
بعد ثلاث سنوات من التوقف، توافق قيادة السلطة على العودة إلى التفاوض مع الكيان الصهيوني، متجاوزةً عن كل مطالبها السابقة المتمثلة بوقف الاستيطان، واعتماد حدود الخامس من حزيران كأساس ومرجعية للتفاوض، بالرغم من الرفض الشعبي الواسع ومعارضة كافة القوى السياسية الفلسطينية.
هنا يبرز السؤال، عن التفاوض ذاته، هل هو غاية أم وسيلة للوصول إلى استعادة الحقوق الفلسطينية ؟ إن الإجابة على هذا السؤال، هي التي ستقودنا إلى فهم طبيعة العودة للتفاوض مرة ثانية.
إن تجربة عشرون عاماً من التفاوض، وما جرّته علينا من استيطان ومن تآكل في مكونات المشروع الوطني الفلسطيني، وما قادته إلى انقسام حاد في صفوف الفلسطينيين وقواه السياسية، وإلى بهتان حقيقي للمرجعية الفلسطينية.. كل هذا يدفعنا للتساؤل عن جدوى التفاوض، وعن المآرب الأمريكية والإسرائيلية لجر الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات.
إننا نعتقد أن إسرائيل حينما تعود السلطة للتفاوض تكسب كثيراً، فهذا الأمر يخفف عليها الضغوط الدولية التي تطالبها بتحقيق السلام والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولكن الأهم والأخطر أن العودة للتفاوض معها في ظل هجوم استيطاني غير مسبوق، فإن الهدف منه إضفاء الشرعية على العملية الاستيطانية برمتها.
أما الإدارة الأمريكية التي كشفت عن انحيازها المطلق ودعمها اللامحدود للعدو الصهيوني، فإنها ترى في العودة إلى التفاوض والمشاغلة بها، حتى تتمكن من التعامل مع ملفات أخرى تزداد سخونة في المنطقة، وفي الآن ذاته، قطع الطريق على الأصوات المتعالية والمتنامية والتي راحت ترتفع في العواصم العربية والتي تطالب بإلغاء الاتفاقيات مع العدو الصهيوني، والمطالبة بقطع العلاقات معه وبشكل محدد في (القاهرة وعمان). وفي ظل مناخات عربية نشهدها ومخاضات شعبية تعيشها معظم العواصم العربية، الأمر الذي يجعل منطقتنا أمام احتمالات مفتوحة.
إننا نعتقد أن السلطة ترتكب خطيئة كبرى بالعودة للتفاوض بدون قرار من اللجنة التنفيذية للمنظمة، هذا القرار من شأنه أن يفاقم الانقسام الفلسطيني والتوتر الفلسطيني الداخلي.
إن العودة للتفاوض في ظل حالة الانقسام الفلسطيني، وحالة الانشغال التي تعيشها الحركة الشعبية العربية بقضاياها الداخلية، من شأنه أن يوفر الفرصة الملائمة للاستفراد الإسرائيلي بالجانب الفلسطيني وبالتالي الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني.
إن العودة للتفاوض لا يمكن أن تشكل حلاً أو إجابةً وازنةً للواقع المأزوم الذي نعيشه، فالمطلوب الآن وفي هذه المرحلة الحاسمة، وقف التفاوض وعدم القبول نهائياً بالعودة إلى طاولة المفاوضات، والشروع الجدي بتقييم التجربة بالكامل ورسم خطة واضحة المعالم للتصدي للعدوان والصلف الإسرائيلي، واستنهاض الحالة الشعبية الفلسطينية في الداخل وفي الشتات، والإمساك جيداً بالمشروع الوطني الفلسطيني حتى يتم دحر الاحتلال.