الطليعة النسوية
لم تستند النسوية الماركسية في فلسفتها على أي فصل أو تمييز بين الرجل والمرأة، بل استندت على تحليل جدلي يربط بين تحرر المرأة وتحرر المجتمع فكان القول «ليس من الممكن تغيير وضع المرأة تغييراً جذرياً إلا إذا تم تغيير جميع الشروط الاجتماعية والعائلة والحياة المنزلية» ليس هذا فحسب، بل اعتبرت الماركسية أن تقدم أي مجتمع يقاس بتقدم المرأة فيه. إذا ما عكسنا البُعد النظري وحاولنا مقاربته للواقع على الأحزاب اليسارية التقدمية، في دراسة تاريخ أحزاب اليسار، نجد أن الشخصية النسوية الطليعية كانت حاضرة أكثر من يومنا هذا، مبلورة مكانها الذي انتزعته من وعيها وقدرتها على النضال والعمل. الأصل رفض كل أشكال التمييز مع أو ضد المرأة، والعمل ضمن بيئة مساندة داعمة للمرأة تخلو من العقلية الذكورية المهيمنة، ومن النسوية التي تنأى بالمرأة عن الرجل بشكل كامل معتقدة أن نضالها ضده.
في ظل المدّ الثوري والنضالي العربي سبعينات القرن الماضي كرّست قيادات نسوية عسكرية اسماً للمرأة مؤكدة قدرتها على العمل السياسي والعسكري بصورة تعكس البُعد الماركسي في قراءة النسوية ورفضها لفصل نضال المرأة عن المجتمع، مع العمل على إشراكها في العمل الحقيقي وليس الاعتماد على وجودها الشوفيني الذي يصل في بعض الأحيان “اليوم” إلى أن يكون قطعة فنية للتباهي.
فماهي الميزات والصفات المطلوبة في الطليعة النسوية القادرة على أن تراكم العمل وتؤطره وتنظمه بهدف الوصول إلى حالة جماهيرية عامة تدعم مطالب معينة؟
امتلاك الوعي المحدد والواضح تجاه قضايا المجتمع ضمن منظور طبقي وتحليل إجتماعي اقتصادي هو اللبنة الأساسية الذي نستند عليها في تحليل القضايا والمشاكل الاجتماعية والبنيوية. هذا الوعي يجب أن يترافق مع القدرة على العمل والعطاء، وابتداع الأفكار من أجل الانخراط بين الجماهير خاصة قطاع المرأة منها، والذي يستلزم الزيارات الميدانية والتفاعل المستمر والحوار التوعوي للسيدات الشريحة الرئيسة في العمل.
هذا بالدرجة الأساسية يتطلب من الطليعة النسوية التمرد على قوالبها الاجتماعية الذاتية أولاً، والتحرر من التقاليد والأعراف الخانقة.
لذا نجد في يومنا هذا القليل من القيادات النسوية القادرة على العمل وأن تكون قدوة لمثيلاتها. ربما أننا أصبحنا نستصيغ الاستضعاف والمطالبة بالكوتا هنا وهناك، أوالتمييز بحجة الظرف الاجتماعي وقدرة المرأة على تجاوز معيقاتها في المجتمع.
الشكل النضالي بظرفه الذاتي للمرأة يجب أن يتبلور في الحلقة الأصغر وهي الأسرة، ومن ثم الحزب أو الحلقة الأيديولوجية، لنصل إلى العمل الجماهيري والسياسي الحقيقي مثل النقابات والبرلمانات. وإذا ما بدأنا بنضالنا الذاتي استطعنا أن نصل إلى التغيير المطلوب في المجتمع وتقديم صورة قوية تنعكس في بعدها الموضوعي.
البحث في سمات الطليعة النسوية هو الخطوة الأولى في معالجة واقع المرأة الاجتماعي والسياسي، من أجل العمل على استصلاح الذات واستنهاض الهمم لتحسين واقع المرأة من منظور اشتراكي ماركسي، فلا شك أن وضع المرأة هو التعبير الأوضح عن الطبيعة الحقيقية لنظام اجتماعي ما.