مقالات

الصحافة الورقية وصراع الأجيال/ بقلم: حاتم الشولي

“المطابع توقفت والحبر جف، ولن يصدر الورق حفيفاً” هكذا اختارت أكبر الصحف العالمية الاندبندنت وداع قرّاء أعدادها الورقية في آخر نسخة لها في المطابع، لم تكن وحدها في هذا الدرب، فكانت “السفير” اللبنانية أيضاً ترافقها المسيرة والتي أصبحت مثلاً يضرب به في انتهاء جيل الصحافة الورقية.

في الأردن، الوضع لا يعد أفضل أبداً، فشباب اليوم يفضل دفع دينارين ثمن أرجيلة في مقهى على الشارع بدلاً من خمسة وعشرون قرشاً ثمن صحيفة ورقية! ما حاجته لها إن كان المقهى يوفر له خدمة الإنترنت اللاسلكي الذي يمكنه من قراءة صحف العالم دون دفع قرش واحد، الوضع الاقتصادي الصعب الذي يضرب المؤسسات الصحفية الأردنية لا يعد أمراً بسيطاً أبداً، فلقد أصبحت هذه الصحف تحارب وحدها تيار التقدم الإلكتروني وانتشار المواقع الإلكترونية التي تعد أسهل وأسرع في إيصال الخبر مزوداً بالصور والفيديو إلى القرّاء.

في العام الماضي، كتب رئيس تحرير الدستور حسن التل رسالة إلى الملك عبدالله الثاني بن الحسين نشرتها الصحيفة قال فيها “إنني وزملائي عندما ننظر إلى هذا الهرم الإعلامي الكبير «الدستور» وهو يترنح تحت ضربات الأزمة المالية التي جاءت نتيجة أسباب كثيرة، يعتصرنا الألم وتكاد الغصة تخنقنا عندما نرى أن مشاعل الدستور بدأت تنطفئ شيئاً فشيئاً” إنها ليست الدستور وحدها، فقد أطفأت الرأي إحدى شموعها يوم توقفت الصحيفة عن الصدور ليوم واحد بسبب الأوضاع المالية الصعبة التي ضربتها جراء “مطابعها الجديدة” التي كلفتها ملايين الدنانير، والسبق الأول كان لصحيفة العرب اليوم التي كانت أول الواصلين لمحطة النهاية لولا أنها استعادت أنفاسها في اللحظة الأخيرة.

في مئوية الثورة العربية الكبرى، أعيد إصدار صحيفة “القبلة” التي تعد أول جريدة عربية صدرت في الحجاز، ولا ينسى التاريخ الأردني صحيفة “الحق يعلو” التي صدرت في معان عام 1920 كأول صحيفة أردنية، فكانت الصحافة في الأردن منذ ما قبل التأسيس صوت الجماهير وحيطان شعاراتها العريضة التي يبث فيها الوجع العربي وصوت النهضة التقدمية.

لعشاق الصحافة، الذين يمارسون طقوسهم اللغوية والصوفية في بحر الورق لا يمكنهم إلغاء الصحف الورقية من جدول حياتهم، ولا يمكن للصحافة أن تطوي أول وأعرض مشروع في تاريخها، إنه مشروع الحبر فوق الورق، مشروع الانطلاقة نحو المستقبل وكتابة التاريخ بلهجة العمال والفلاحين وتغميسه بتراب الوطن لتظهر “الصحافة الشعبية” التي كانت من وإلى الناس تكرس في كل مفاهميها تدوين الأحداث في خمس أسئلة ما زالت تدرس في صفوف الإعلام حتى اليوم “من؟ ماذا؟ أين؟ متى؟ كيف؟ ولماذا؟”.

عندما يتم الاحتفال في الأردن بصحف تاريخية صدرت قبل مائة عام، علينا أيضاً أن نحتفل بصحف ما زالت تصدر لليوم حتى لا تأتي اللحظة التي سنحتفل بها وهي مكدسة في تراب الماضي، الصحافة في الأردن سلطة رابعة في دور المراقبة والمحاسبة وتسليط الضوء على الواقع، وكما يحسن الصغار لكبارهم، على الصحافة أن تحسن لتاريخها وكبرها الذي ما زال يتوج كل يوم بطبعات الصحف الورقية التي تجعل من هذا البلد، بلداً عريقاً وطاعنا في سن الصحافة الورقية.

*صحفي أردني 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى