مقالات

الصحافة الورقية الأردنية .. أزمة صحافة أم أزمة حكومات ؟؟ تحقيق صحفي _ خاص لـــ ” نداء الوطن “….محمد العبسي

تعود أزمة الصحافة الورقية الأردنية إلى عدة سنوات مضت، ويرجع ذلك إلى عاملين أساسيين هما ذاتي وموضوعي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وتعقدت في عهد حكومة عبد الله النسور، التي تجاهلت منذ بداياتها ضرورات الحل، والتي لن تنته تبعاتها ونتائجها، ما لم تتخذ إجراءات جذرية أقلها توقف الحكومات المتعاقبة عن التدخل في شؤونها الداخلية، وانسحاب الضمان الاجتماعي من المساهمة بها طالما أن الحكومات هي التي تتولى تعيين مجالس إدارة الضمان وبالتالي مندوبي الضمان في الصحف، وإطلاق فترة الإعفاءات، ورفع أسعار الإعلانات الحكومية إلى مستوى أسعار الإعلانات العامة، إضافة إلى دعم الدولة للصحافة الورقية.

وعلى صعيد الصحافة ذاتها، الكف عن كون بعضها مؤسسات للترضية، أو كونها مؤسسات لتسويق الحكومات والصمت عن أخطائها، وعدم الدخول في مضاربات إعلانية وبالتالي إيجاد ميثاق شرف إعلاني، وعدم تقبل أي دعم مشروط من أي جهة أجنبية، وعرض قضايا الوطن والمواطن بصدقية ودقة مهنية عالية، وعدم زج الصحافة في قضايا خلافية من شأنها إثارة الفتنة، وتطوير قدرات كوادرها المهنية تحريرياً وحاسوبياً، وتنويع مجالات استثماراتها الإعلامية.

أما العامل الموضوعي وراء تراجع أهمية الصحف الورقية إضافة إلى هيمنة الحكومات واستيلائها على مجالس إدارات بعض الصحف التي تعصف بها الأزمة حالياً، فيكمن في تطور الإعلام الإلكتروني، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وأجهزة الجوال التي يمكن من خلالها تلقي الأخبار بأسرع وقت وبأقل كلفة، الأمر الذي جعل المنافسة شديدة ومرهقة بالنسبة إلى وسائل الإعلام الورقي.

وفي مقابلة أجرتها نداء الوطن مع مستشار التحرير في صحيفة الدستور الأستاذ جمال العلوي، أشار إلى أن قرار الحكومة إعفاء مدخلات الإنتاج في الصحف اليومية من الجمارك لمدة سنتين، ورفع ثمن الكلمة الواحدة للإعلانات الحكومية ، والسماح للوزارات والمؤسسات الحكومية برفع سقف اشتراكاتها في الصحف ، بأن هذه القرارات على أهميتها غير كافية لتخليص الصحف الورقية الأردنية من أزمتها، بل الحاجة تقتضي لمعالجة جذرية للمشكلة .

وأكد العلوي بأن الحكومة تهيمن على قرارات مجلس الإدارة، ففي صحيفة الدستور حالياً، يمثل الضمان الاجتماعي بــ 5 أعضاء في مجلس الإدارة الذي يبلغ عدد أعضائه 9 أعضاء وهذا يفاقم الأزمة في الصحيفة، ويجعل منها بوقاً للحكومة، ما ينزع ثقة القارئ بها ويقلص حجم الإعلان بالتالي فيها، وهذه الهيمنة تنطبق أيضاً على مجلس إدارة صحيفة الرأي .

ويرى العلوي بأن حل مسألة هيمنة الحكومة على مجلسي إدارة الصحيفتين الدستور والرأي، يتعلق ببيع الضمان الاجتماعي حصتيهما في الصحيفتين إلى القطاع الخاص، الذي سيجد الحلول المناسبة للخروج من الأزمة، ومنها ألا تكون الصحيفتان بوقاً لتسويق الحكومات المتعاقبة وبالتالي تستعيد الصحيفتان ثقة القارئ الذي سيُقبل على اقتناء الصحيفتين، ما يعيد ثقة المعلن بأهمية الإعلان فيهما. مفنداً قول الحكومة بأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للصحيفتين الأبرز، موضحاً أن الحكومات هي التي تعيّن مندوبي مؤسسة الضمان الاجتماعي في مجالس إدارتيهما، وتمارس من خلالهم تعيين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير والمدراء العامّين. وهذا ما ينعكس على بنية الكادر الإداري . وختم العلوي بضرورة توفير صندوق وطني لدعم الصحافة الذي اعتبره من أهم المطالب لحل الأزمة.

أما الصحفية في صحيفة الرأي سرى الضمور فقالت لـ “نداء الوطن” أن السبب وراء الأزمة التي تمر بها الصحيفة هو الترهل الإداري مشيرة إلى أن هناك ما يقارب 700 موظف يعمل 500 منهم إداريين ولا يوجد كفاءة بحيث أصبح التعيين يتم على أساس الواسطة ، وأضافت بأن صحيفة الرأي كباقي الصحف الورقية تعيش أزمة منذ حوالي 4 سنوات بحيث أنه كان يتم ترحيلها ومراكمة الأعباء على الجريدة وهذا ما يؤثر على العاملين فيها بحيث تم توقيف الامتيازات للموظفين كالرواتب الإضافية ، وأضافت الضمور بأن الصحيفة قامت بمقاطعة أخبار الحكومة كوسيلة ضغط لحل الأزمة بحيث لا يوجد حلول جذرية سوى إعادة الهيكلة ، مشيرة إلى أن الصحيفة ستعمل وفق توجهاتها باعتدال بين مواقف الحكومة والمعارضة ، وطالبت الضمور بمزيد من الخطوات، تتمثل بوضع حد للتدخلات في إدارتها والوصاية عليها إلى جانب معالجة ما تسببت به الحكومات السابقة من إخلال في إدارة الصحيفة، والمسارعة إلى إجراء هيكلة لتتكيف الصحيفة مع مواردها وإمكاناتها إلى جانب تطوير أدوات عملها المهنية لتنسجم مع معطيات العصر.

وقال الصحفي جهاد المنسي رئيس اللجنة النقابية العمالية في صحيفة العرب اليوم في حديثه إلى “نداء الوطن” إلى أن الأزمة كانت مالية بالدرجة الأولى ويرجع ذلك إلى سوء الإدارة وتأخير رواتب الموظفين خمس أشهر واستمر ذلك حتى توقفت الجريدة ، تبلور حراك يطالب بحل المشكلة أطلق الناشطون عليه “خلية الأزمة” وبعدها اتخذ إجراء بأحد العاملين فيها اعتقدت الإدارة من خلال الإجراء أنها شكلت ضربة لبقية العاملين لتثنيتهم عن مطالبهم ، وأضاف المنسي أن الخلية قامت بإجراء تصعيدي تمثل ببناء خيمة احتجاجا على فصل زميلهم ، وتمت إزالتها بظروف غامضة ، وأمام تأخير الرواتب تم تنشيط خلية الأزمة من خلال حراكات متتالية توجت باعتصام مفتوح، فقامت الإدارة بفصل عدد كبير من الموظفين تحت ذريعة ترشيد النفقات.

وأكد المنسي على أن الإدارة لم تقدم أي حلول ولم يكن هناك وجود أي أفق لحل الأزمة ، مشيراً إلى أن الصحيفة توقفت لمدة شهرين فكانت خيارات العاملين فيها الاستمرار بالاعتصام ، مؤكدا أن اللقاءات مع رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب لم تخرج بنتيجة تنصف الموظفين الذين فصلوا من عملهم نتيجة الأزمة التي لا يتحملها سوى إدارة الصحيفة .

ومن جهته اعتبر الرفيق  محفوظ جابر مدير تحرير نداء الوطن بأن الحكومات المتعاقبة تقف وراء الأزمة التي تعاني منها الصحف اليومية وخاصة الرأي والدستور لأن هذه الحكومات بقيت تسيطر عليها طوال الوقت وجعلتها أداة ومنبراً لها مما أفقدها استقلاليتها، وحمّل جابر إدارات الصحف وخاصة التي تعاني الأزمة المسؤولية لأنها وافقت على عدم استقلاليتها كما حمّل أصحاب الأقلام المأجورة مسؤولية المساهمة في إرضاء السلطة بالتالي عدم إرضاء الجماهير والدفاع عن حقوقها . مشيراً إلى أن كل ذلك أدّى إلى ابتعاد الجماهير لأنها تريد الحقيقة كل الحقيقة ولا تريد الحقيقة المزيفة ، ونظرا لابتعاد الجماهير عن شراء الصحيفة ابتعد أصحاب المصالح عن الإعلان في هذه الصحف الأمر الذي زاد من أزمتها.

فيما كانت نقابة الصحفيين الأردنيين انتقدت حالة الصمت الحكومي تجاه أزمة الصحافة الورقية، معتبرة أن عدم الرغبة الواضحة بالتدخل من قبل الحكومة لحل الأزمة أمر بدأ يثير الريبة أكثر من إثارته للقلق.

وحذرت النقابة في بيان أصدرته مؤخرا حصلت “نداء الوطن” على نسخة منه  المساس بأية حقوق للصحافيين من قبل المؤسسات الصحافية ومجالس إداراتها، أو من المساس بالأمان الوظيفي للزملاء الصحافيين، واعتبر مجلس النقابة أية خطوة خاطئة بهذا الاتجاه تجاوزاً مقصوداً للخطوط الحمراء، وهو ما سيزيد الإشكاليات ولن يحلها، وستلتزم النقابة بالإجراءات التصعيدية حينها، ولن تكتفي بدعم الزملاء الصحافيين كما هي الآن.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى