الشِّجارُ الطُّلابيُّ في الجامعةِ الأردنيّةِ.

ليستِ المرّةُ الأولى التي نسمعُ فيها عن شِجارٍ داخلَ الجامعةِ الأردنيّةِ، ومع هذا نُصابُ بالدهشةِ لأنَّ الشِّجارَ حصل داخلَ صرحٍ علميٍّ يُفترضُ فيه أن تسودَ لغةُ الحوارِ بديلًا عن العُنفِ.
ومع هذا تتكرّرُ المشاجراتُ بينَ الطلّابِ ولأسبابٍ متشابهةٍ وتافهةٍ، وتتكرّرُ المعالجاتُ بالأسلوبِ ذاته، سواء أكانَ ليّنًا أو قاسيًا.
قد يتساءلُ البعضُ: لماذا تتكرّرُ هذه المشاجراتُ؟ هل عالجنا الأسبابَ الجوهريّةَ لِحصولِ المشاجراتِ وتكرارِها؟
مِمّا لا شكَّ فيه أنَّ المعالجةَ سواءٌ من إدارةِ الجامعةِ أو من خلالِ الحكومةِ ووزيرِ التعليمِ العالي، بقيت معالجةً فَوقيّةً، ولم تُحاولِ الوصولَ إلى العُمقِ واستقصاءَ الدوافعِ والأسبابِ التي حوّلت هذا الصَّرحَ العلميَّ من مكانٍ للبحثِ وامتلاكِ المعرفةِ إلى ساحةٍ للشِّجارِ القبليِّ والعائليِّ.
السياسةُ العامّةُ للدولةِ لم تُغادِرِ الرؤيةَ الأمنيّةَ في تعاملِها مع المجتمعِ ومؤسّساته، ولم تُحاول فَهمَ أو إدراكَ أهميّةِ هذه المؤسّساتِ، بل كانت مشغولةً في رؤيتها الأمنيّةِ بالهيمنةِ عليها، وبالتالي تفريغِها من محتواها. وهذا ما شهدناه من تراجُعٍ مُذهلٍ للنقاباتِ وضعفٍ في الأداءِ الحزبيِّ.
في الجامعاتِ كان التدخّلُ كبيرًا، والقيودُ ثقيلةً، بحيثُ بات التعليمُ وفلسفتُه من تأهيلِ الطالبِ لدخولِ المجتمعِ ومعتركِ الحياةِ قد حُوِّل إلى مجرّدِ شهادةٍ من أجلِ الحصولِ على وظيفةٍ.
إنَّ قراءةَ المشهدِ التعليميِّ وتراجُعَ مستوى الجامعاتِ ومستوى مخرجاتِها، يكشفُ عن عُمقِ أزمةِ التعليمِ وتراجُعِه.
من المؤسفِ وصولُ جامعاتِنا إلى هذا الحالِ، بسببِ قُصورِ النظرةِ والاعتقادِ بأنَّ هدوءَ الجامعاتِ لا يتحقّقُ إلّا بمزيدٍ من حُرِّيّةِ الفكرِ والبحثِ العلميِّ وحقِّ الطلّابِ في اختيارِ مُمثّليهم.
إنَّ انتشارَ النّدواتِ الثقافيّةِ المرتبطةِ بالمجتمعِ هو الكفيلُ بتعزيزِ مستوى المعرفةِ وتطويرِ أشكالِ التعاملِ.
علينا أن نرفعَ أيدينا عن الجامعاتِ حتّى تبقى مناراتٍ للعلمِ والمعرفةِ والبحثِ العلميِّ.
لم تتقدَّمِ الشُّعوبُ إلّا من خلالِ العِلمِ، ولم ينتعشِ العِلمُ إلّا من خلالِ حُرِّيّةِ البحثِ وحُرِّيّةِ الرأيِ.