الشعب اليمني يقاوم سياسة الاحتواء والإلحاق السعودية الغربية .. وينتصر لكرامته واستقلاله
تتواصل في الكويت ومنذ 21 نيسان، مشاورات السلام التي تبحث في محاولات تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة في اليمن، وضرورة الالتفات للوضع الاقتصادي الحرج وآثاره المدمرة على الحياة اليومية للمدنيين.
منذ أكثر من عام وثلاثة شهور، تدور على الأراضي اليمنية أبشع أشكال المجازر والتدمير الممنهج والإجرام، بشكل غير مسبوق في عصرنا الحالي، والذي يعيد إلى الذاكرة أساليب العدوان الصهيوني المستمر على فلسطين والشعوب العربية، ولكن في اليمن تقود السعودية مدعومة من الولايات المتحدة وبعض الدوائر الغربية حرباً وحشية ضد الشعب اليمني ومقدراته ووحدته الوطنية، ويكفي العودة إلى التقارير الأممية والمنظمات الإنسانية المتعددة على ندرتها وضعف حياديتها، لكي نكتشف حجم الدمار والانتهاكات لحقوق الإنسان وحياته وممتلكاته. تقارير متطابقة تجمع على أن طائرات “التحالف” والجيوش والمليشيات التابعة للسعودية وحلفائها ترتكب جرائم حرب موصوفة عبر استخدام أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً.
ورغم الضغوطات السياسية والابتزاز المالي الممارس من قبل واشنطن والرياض على العديد من المنظمات الدولية والإنسانية، فقد نشر المركز القانوني للحقوق والتنمية في صنعاء أواخر آذار الماضي أرقاماً مهولة عن حجم الكارثة التي حلّت باليمن، بوصول عدد الضحايا إلى ثلاثين ألفاً بين شهيد وجريح، أكثر من ثلثهم من النساء والأطفال.
ومن المفارقات، بأن وزير التخطيط والتعاون الدولي السعودي يُقر بأن إعادة الأمور إلى ما قبل العدوان تحاج إلى أكثر من 100 مليار دولار في بلد مفقَر سابقاً.
تعود جذور الانزلاق في النزاع اليمني الداخلي إلى تعثر عملية الانتقال السياسي التي حصلت عام 2011 بعد عودة نخبة النظام القديم المقتتلة داخلياً والمتورطة بالقمع والفساد، إلى الإمساك بمفاتيح السلطة، في حين عجز مؤتمر الحوار الوطني عن رسم المسار الصحيح للمرحلة الانتقالية، خاصة بعد التدخل السعودي الفظّ الذي حاول فرض ملامح النظام الجديد وتفويت الفرصة لتحقيق التوافق بين أبناء البلد الواحد، وقد عمّق من حدة الأزمة الرغبة المعلنة في الجنوب بالميل نحو “الاستقلال”. في وقت تحولت فيه حركة الحوثيين المناطقية التي تشكل أغلبية في الشمال، إلى تيار وطني ببرنامج جامع، وقد رفع من شأنها كونها طرفاً غير مرتبط بالفساد، بينما تفجرت التناقضات والخلافات بين صفوف تحالف الأمس الانتهازي، فضُرب التحالف بين صالح و التجمع الوطني للإصلاح “الإخوان” وعائلة الأحمر ذات النفوذ الكبير الذين انقلبوا ضد صالح خلال انتفاضة 2011، رغم كونهم يشكلون المعسكر التقليدي المعادي للحوثيين.
عندما وصل الحوثيون إلى صنعاء في مسيرة احتجاج عريضة أثناء موجة الاستياء الشعبي ضد حكومة هادي الفاسدة ومهزوزة الشرعية، في أيلول عام 2014, تبنى أغلب اليمنيون هذه الموجة الاحتجاجية، وتعاملوا معها كحالة ضغط انتقالية وطنية مسؤولة، ما لبث أن امتد نفوذها إلى محافظات الجنوب لقطع الطريق على نوايا التقسيم والتصدي لتمدد منظمة “القاعدة” المستغلة للفراغ الأمني والسياسي.
السعودية التي تنظر لليمن كساحة خلفية لها، باتت تعتقد بأن الوضع اليمني يميل خارج إملاءاتها، سيما وأن التطورات اليمنية قد حصلت والإقليم يقف على عتبة جديدة من التحولات ويشهد تغييراً جيوسياسياً، من أبرز سماته إعلان نوايا أمريكية بالانسحاب من المنطقة، وتوقيع الاتفاق الغربي – الإيراني حول الملف النووي، وتقدم الدور الروسي وارتباك تدخلها في سورية والعراق.
مع بداية العهد الجديد، اعتقدت السعودية بأن الظرف قد بات مواتياً لاستعادة زعامة العالم الإسلامي واسترجاع دورها ونفوذها لضرورات التصدي “للصعود” الإيراني في الإقليم، معتمدة بشكل أساسي على العامل الاقتصادي والنفطي وتحالفها المعلن مع تركيا، وتوطيد علاقات تحالفية تدرجية مع “إسرائيل”، وراحت تحدد مقارباتها على أسس التحشيد المذهبي، لتكريس إيران كعدو أول، و”إسرائيل” كحليف ممكن.
رغم وصول واشنطن إلى حالة من التشكك في غلبة مشروعها في المنطقة، والتسليم بمحدودية ما تصنعه القوة العسكرية وبدء التنسيق مع موسكو، إلا أن السعودية استطاعت إيصال رسالة للأمريكيين، تتمنى عليهم بألا يتسرعوا بتقديم تنازلات للجانب الإيراني، وفي سورية، وأن السعودية تستطيع مع شبكة تحالفاتها الجديدة، وإذا ما ضمنت الإسناد السياسي والتسليحي الغربي، أن تحدث التغيير اللازم لإراحة الغرب من استحقاقات تسوياته مع إيران، وإعفاء “إسرائيل” من الضغوطات عليها في الشأن الفلسطيني.
لقد تذرعت السعودية بأن “عاصفة الحزم” أتت لدواعٍ دفاعية، لإيقاف سطوة إيران و”أدواتها” في المنطقة، فأعلنت في السادس والعشرين من آذار 2015، بدء عملياتها العسكرية العدوانية على اليمن من خلال تحالف ضم دول التعاون الخليجي، بالإضافة إلى كل من مصر والأردن والسودان والمغرب وبغطاء أمريكي بريطاني فرنسي سافر. بلغ عدد غاراته ستين ألف طلعة شملت كل الأراضي اليمنية.
عمليات عدائية تحولت إلى حرب مكلفة بشرياً ومادياً، شكلت ثقلاً على كل الأطراف، دون أن يبدو بأن جانباً معيناً قد اقترب من تحقيق الانتصار أو الحسم العسكري، وإذا كانت السعودية قد وجدت نفسها وقد انفض من حولها معظم حلفائها تغوص في حرب استنزاف مرهقة في ظل انخفاض أسعار النفط وتهديد العمق السعودي بنقل المعركة إلى داخل أراضيها، بدا الشعب اليمني يقدم تضحياته ويسجل صموداًً إستراتيجياً أذهل العدوان وداعميه.
صمود انطلق من إيمان الشعب بقضيته وعدالتها دفاعاً عن سيادة الوطن وكرامة أبنائه، وسجل اليمنيون حضوراً غير مسبوق في الساحات العامة والميادين، وخرج بالملايين ليعلن التفافه حول جيشه واللجان الشعبية، ويشكل العديد من التكتلات والمبادرات وينظم الندوات والفعاليات الثقافية والسياسية.
تبخرت أحلام السعودية بسحق الحوثيين، أو إعادة هادي إلى السلطة، وتحولت سياسة الأرض المحروقة لتحرق أصابع اللاعبين في البلاد السعودي، وما يسمى بالأراضي المحررة جنوب وشرق اليمن، أضحت تتوزع بين سيطرة “القاعدة” و”داعش”.
في ظل هذه الأجواء، عادت الأمم المتحدة لتتبنى التوسط في حل الصراع، وأعادت مندوبها إلى المنطقة، وعاد السعوديون ليقبلوا ما رفضوه بالمطلق قبل ستة أشهر، وبدأ الخطاب الغربي يتحول نحو الدعوة للوصول إلى تسوية تنهي الحرب على قاعدة الاعتراف بإشراك التيار الحوثي في التسوية والتوجه لاقتسام السلطة.
تدرك معظم الأطراف بأن التسوية ليست قريبة، والأطماع السعودية ما زالت ماثلة، وقد حفر الصراع جروحاً عميقةً في النسيج المجتمعي اليمني.
كل تسوية تقوم على مبدأ تشكيل حكومة وطنية لمرحلة انتقالية تُهيء لانتخابات، تعني سقوط ذرائع السعودية في تبرير حربها العبثية، ونصراً لمحور المقاومة. لقد قاوم اليمن ببطولة محاولات الإلحاق والاحتواء، وانتصر لكرامته واستقلاله حتى وإن كان معسكر أعدائه يضم السعودية وتركيا و”إسرائيل” والغرب الاستعماري.