“السنابل” تنفذ استطلاعاً للرأي حول عزوف الطالبات عن العمل السياسي في الجامعات إحباط من الوضع العام .. مفاهيم خاطئة وشعارات حكومية زائفة
إعداد: بتول علي
تم نشر هذا المقال بالتنسيق مع نشرة السنابل الصدارة عن رابطة المرأة الأردنية
على الرغم من إلغاء الأحكام العرفية منذ أكثر من 25 عاماً، وعلى الرغم من الترخيص للعمل الحزبيفي الأردن، إلا أن العمل السياسي في الجامعات لا يزال ممنوعاً وفق أنظمة وتعليمات إدارات الجامعات الرسمية والخاصة.
وتنص كافة أنظمة وتعليمات التأديب في الجامعات الأردنية على “منع العمل السياسي داخل الحرم الجامعي”، حيث تصل عقوبة المشارك في هكذا أعمال حد الفصل النهائي من الجامعة، وذلك على الرغم من “تساهل محدود” تمارسه إدارات بعض الجامعات تجاه هكذا نشاطات خاصة في فترات الحراك الشعبي والحرب على غزة.
وتعتبر مشاركة الفتاة الجامعية في العمل الطلابي والسياسي محدودة جداً، حيث تعاني من منع مزدوج: منع قانوني يتمثل بأنظمة وتعليمات الجامعات، ومنع آخر تكرسه عادات وتقاليد اجتماعية “مركبة”.
نشرة “السنابل” استطلعت آراء عدد من الطالبات في الجامعة الأردنية حول أسباب عزوف الفتيات عن العمل السياسي داخل الحرم الجامعي، وتالياً قراءة لأهم الآراء التي تم رصدها:
عادات وتقاليد ومفاهيم خاطئة: شو يعني “عزوف”؟!
تعتبر الطالبة (ن. أ) والتي تدرس تخصص دكتور صيدلة أن السبب الأكبر هو الخوف من المجتمع وقيوده والخوف من ردود الأفعال، كما ترى أن العمل السياسي في الجامعات مقرون بالعنف الجامعي ما يزيد من خشية الفتاة من دخول هذا المجال.
وتتفق (ر. ب) طالبة التحاليل الطبية مع (ن.أ) إلا أنها تلحظ أن في “مجتمعنا الشرقي صوت المرأة غير مسموع .. رغم كل الادعاءات بالديمقراطية وحقوق المرأة إلا أن هنالك نزعة تجعلهم يستثنون صوت المرأة ويعتبرونها ناقصة عقل ودين”.
وتضيف (ر. ب) أنه حتى في مجلس النواب دخلت المرأة بالواسطة ” بالكوتا “.
إلا أنها تعود لتدافع عن الموقف السلبي من المرأة معتبرة أن “المرأه خُلِقت لأهداف أخرى” فالعمل السياسي هو للرجل، أما المرأة فلها وظائف ومهام أخرى! كما ترى فراج أن “الفطرة” لدى معظم البنات تميل لأشياء بعيدة عن السياسة.
الطالبة (س. م) أبدت عدم معرفتها بمعنى كلمة “عزوف” فيما طلبت زميلتها (م.ح) معرفة معنى مصطلح العمل السياسي!!
بينما تكشف (س. م) الطالبة في قسم الهندسة المعمارية أن الخوف من المجتمع و”حكي الناس” هما أهم أسباب عزوف الفتاة عن العمل السياسي.
النظرة “الدونية” للفتاة وحلمها بالزواج
نظرة المجتمع إلى المرأة بشكل عام بأنها ضعيفة تنعكس على واقع الفتاة الجامعية. فتشير الطالبة (أ. ق) التي تدرس دكتور صيدلية، أن ضغط المجتمع على الفتاة والفكرة التي تم زرعها بعقول الفتيات منذ نعومة الأظافر بأنها ضعيفة وموقعها دائماً دون الرجل، لعبت دوراً مهماً في عزوف الفتيات عن العمل السياسي. كما ترى بأن خوف الفتيات من هكذا تجربة كونه المجالات المتاحة بالمجتمع للمرأة محدودة وقلة من الفتيات اللائي عندهن الجرأة ليصبحن جزءً من مجال تعود المجتمع على سيطرة الطرف الذكوري فيه.
وتتفق الطالبة (ر. خ) من كلية الهندسة الزراعية مع زميلتها وتؤكد أن خوف الفتاة من أهلها ومن العادات والتقاليد، وأن سمعتها ستتشوه نتيجة دخولها في هذا المجال ويتم اتهامها بأن “بنت مشيها بطّال وعاملة حالها بتفهم بالسياسة”. وتؤكد هذه الطالبة بأن هذا الكلام غير صحيح وغير موضوعي، وتدافع عن الناشطات في العمل السياسي معتبرة أن من حقهن أن يكافحن ويناضلن للوصول إلى مبتغاهن. لكنها تعود للإشارة إلى أن معظم الفتيات لا يدرن بالاً لهذه الأمور، أن الفتيات ممكن أن “تهتف يوم أو يومين وبعدين تزهق، لأنه صار أكبر حلم للبنت إنها تتزوج وتقعد بالدار وبس”.
إحباط من الوضع العام وتراجع الحراك وشعارات حكومية زائفة
وترجع بعض المشاركات في الاستطلاع أسباب عزوف الفتيات عن العمل للوضع العام الذي تعيشه البلاد. فترى الطالبة (ل. غ) أن العمل السياسي ليس واضح المعالم ولا هو موجّه بشكل صحيح في بلاد العالم الثالث بشكل عام, فهو يبقى محتكراً بيد فئة ما, وما عدا ذلك يُسمى نشاطاً سياسياً قد يعاقب عليه القانون بحُكم نصوصه الفضفاضة التي قد تجرّم النشاط أو هذا العمل وتصنفه ضمن دائرة التخريب، إضافة لافتقار الشباب والفتيات لفرصة حقيقية لاختبار العمل السياسي بالأطر الديموقراطية أو الطبيعية للمجتمعات الحرّة والمتقدمة.
وتتهم (ل. غ) بعض مؤسسات الدولة وبخاصة التعليمية منها بالتخويف من خوض العمل السياسي لأسباب تختلقها هي بنفسها، وكأن العمل السياسي تهديد للأمن وتقليل من الشأن الأكاديمي داخل الصروح التعليمية وبمثابة فوضى عارمة يجب الخلاص منها أو تقييدها أو تفريغها داخل مؤسسة الاتحاد الطلابية ثمّ حظرها.
وتلفت إلى أن خوف هذه المؤسسات من حالة الفوضى العارمة التي قد تحصل نتيجة السماح بالعمل السياسي أو الحزبي المنظم داخل الجامعة ما هو إلا بسبب تضييقهم على الشباب ومنعهم من تجربة الحياة السياسية داخل الجامعة للخروج بتجربة حقيقية تفيد الوطن.
وترى الطالبة (غ. ع) أن انحصار الرأي السياسي وانحصار ديمقراطية التعبير عن الرأي، وانشغال الفتاة بأنشطة لا علاقة لها بالدور السياسي، إضافة إلى قصور الحرية من ضمن الأهل وخوفها من أن تشارك بفعاليات سياسية، وعدم جرأة الفتاة بالوصول إلى أعلى درجات العمل السياسي. كل هذه قد تكون من أهم أسباب معيقات انخراط الفتيات بالعمل السياسي.
فيما تشير الطالبة (م. إ) من قسم التمويل في الجامعة الأردنية إلى أن العزوف عن العمل السياسي بالأردن ليس مقتصراً على الفتيات، فهو من كلا الطرفين الطلاب والطالبات. حيث تعزيه لأسباب عدة :
– عدم الثقة بالأحزاب المتواجدة لعدم جدوى برامجها بالعقود الماضية، وعدم الإيمان بقدرتها على ترك أثر على الساحة الأردنية ..
– حالة إحباط عامة بعد الربيع العربي، وإيمان بعدم قدرة الفرد على التأثير.
– عدم تقبل الرأي الآخر بين القوى السياسية وحتى بين الشارع العام، لذلك حملك لفكر معين يعني أن تحسب على ذلك التيار ويترتب عليه تبعات عدة.
أما الطالبة (ي. م) من كلية الحقوق فترى أن طبيعة مجتمعنا الشرقي تفرض جعل صوت المرأة غير مسموع، وذلك على الرغم من الادعاءات الزائفة بالديمقراطية وبحقوق المرأة، حيث يعتبرونها ” ناقصة عقل ودين “.
قمع مزدوج
في ظل حالة التراجع في الحريات العامة والحريات الطلابية، وفي ظل استمرار النظرة السلبية للفتاة الناشطة في العمل الوطني والتقييدات التي تتعرض لها على مستوى الأسرة والمجتمع، وفي ظل حكومة ترفع شعارات تمكين المرأة ومشاركتها في الحياة العامة فيما تطبق على الأرض ما هو نقيض هذه الشعارات. في ظل كل هذه الأجواء تصبح الكرة في ملعب القوى السياسية والهيئات النسوية لتعزيز دور الفتاة الجامعية وانخراطها في العمل العام في مواجهة سياسات التجهيل والتهميش التي تمارس عليها بشكل خاص وعلى القطاع الطلابي برمته بشكل عام.