مقالات

السابع من أكتوبر: هزة في رتابة النظام السياسي الفلسطيني وزلزال يضرب الكيان

عامان من الحرب الإجرامية على غزة، عامان ليسا ككل الأعوام عاشها الغزيون، اختلطت فيها المشاعر بين الألم وفضيلة الصبر، بين إرادة الصمود والمقاومة وبين ألم خذلان الشقيق، بين رفض الموت واستسهال الشهادة من أجل الحرية والتحرير.

عامان شق فيهما أهل غزة وفلسطين طريقًا جديدًا ومسارًا جديدًا لفهم قضيتهم على مستوى العالم.
عامان امتحنت غزة البشرية جمعاء في إنسانيتها واحترامها لحقوق الإنسان.

لقد أعادنا السابع من أكتوبر جميعًا إلى بداية (البدايات) ووضعنا وجهًا لوجه أمام حقيقة المشروع الصهيوني، بعد أن نسيها البعض أو تناسوها، بل بالغوا في الغفلة حتى وصل الحال ببعضهم إلى لعب دور العراب لوهم السلام مع الكيان الصهيوني، وأقحموا نبي الله إبراهيم في أوهامهم، متغافلين أن هذا الكيان وهذا المشروع هو النقيض لوجودنا ولمشروعنا.

أعادنا السابع من أكتوبر إلى التاريخ، بأن كل ما نعانيه ليس إلا نتاج وعد بلفور وما عمله كل من سايكس وبيكو في وطننا العربي، ولا أدل على ذلك إلا هرولة كل زعماء الغرب للاطمئنان على الكيان وتأكيد الاستعداد للوقوف بجانبه ودعمه بما يحتاج.

كشف السابع من أكتوبر مسائل كبيرة، إنه لم يكن حدثًا عاديًا بل كان تطورًا مفصليًا ترك تأثيره وفعله في كل شيء، إلا في سلطة رام الله التي بقيت ملتزمة ومتمسكة بانحرافها وسياستها المتناقضة مع المصلحة الوطنية.

كان الطوفان كبيرًا وصادمًا ومربكًا للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، بحيث دخل الكيان في أخطر أزمة نتاج التناقضات التي برزت بين المدنيين والعسكريين والعلمانيين،
وكان الناتج الأهم هو انكسار الثقة بين المستوطنين والدولة، بل باتوا على قناعة أن المقاومة نجحت في إعادة تعريف الصراع إلى حقيقته بأنه صراع وجودي يهدد كل ما يروجونه من إسرائيل الآمنة.

لكن ردة فعل الكيان الصهيوني، الذي وفرت له الولايات المتحدة كل عناصر الدعم، شجعته على القيام بحرب إبادة، قتل وتدمير وتجويع.

تركت حرب الإبادة هذه جرحًا عميقًا في وجدان الشعب الفلسطيني، وزاد من عمقه وحدته هو الخذلان الرسمي العربي، بل والمتواطئ من خلال استمرار الدعم للعدو تجاريًا واقتصاديًا.

مقابل هذا التخلي الرسمي العربي، كانت روح التضامن بين مكونات المقاومة في لبنان والعراق واليمن والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل والانخراط المباشر في عملية المواجهة وتكريس حالة الفرز بين قوى مقاومة وأخرى متخاذلة، وهي مسألة بالغة الدلالة، فلم تعد المواجهة فقط نابعة من الانتماء القومي، بل بات الموقف من المشروع الصهيوني والإمبريالية الأمريكية هو الأساس.

في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى ما فعله ٧ من أكتوبر في تسييس الرأي العام العالمي وتبلور جيل جديد من الشباب والنخب يرى الصراع من زاوية العدالة وحقوق الإنسان.

كانت الحرب الإجرامية، بقدر قسوتها وحجم الظلم الذي وقع ولا يزال على الفلسطيني، فإن تداعياتها كشفت وستكشف عن عورات النظام الدولي، مما يستوجب إعادة النظر بالنظام برمته.

الآن، وبعد عامين من هذه الحرب التي يدينها ويرفضها العالم، إلا الولايات المتحدة الأمريكية التي توفر كل الدعم والحماية الدبلوماسية، تشهد حوارًا من أجل وقف الحرب، ففي الوقت الذي تبدي المقاومة استعدادها لذلك، فالكيان يصر على المضي قدمًا في عدوانه وأحلامه النورانية، وعلى السير بمشروعه بما يعرف بتغيير وجه الشرق، من خلال تقويض كل عناصر المقاومة وتكريس الهيمنة الصهيونية، يفرض على القوى الشعبية العربية الوقوف جديًا أمام هذا التحدي وتوحيد قواها والسير في عملية المواجهة إلى مداها حتى يتم هزيمة العدو وتحرير أوطاننا.

اظهر المزيد

د. سعيد ذياب

د. سعيد ذياب الأمين العام… المزيد »
زر الذهاب إلى الأعلى
Secret Link