أخبار محلية

الزراعة في وادي الأردن.. تحديات وأخطار

منذ أسبوعين، يلفُ التشاؤم والركود سوق العارضة المركزي في دير علاّ، فالإنتاج الزراعي في وادي الاردن قد تأخر بشكل غير اعتيادي، الأمر الذي يعطي مؤشراً مقلقاً على تراجع الموسم الزراعي حتى قبل انطلاقه.

 

يتفق معظم التجار بأن هذا الموسم سيواجه صعوبات وتحديات كبيرة نتيجة انحسار الأسواق التصديرية، وعزو تأجيل افتتاح محالهم في السوق لهذا السبب، ولكن أيضاً لأن معظم المزارعين في الوادي يتخوفون من تكرار سوء المواسم الماضية وتراجع التصدير، الأمر الذي كبّدهم خسائر كبيرة، وأجبرهم على حصر عملهم في السوق المحلي فقط، وذلك نتيجة الظروف القاهرة التي تشهدها المنطقة، وتوقف انسياب البضائع إلى الأسواق الرئيسية في سوريا والعراق، وقطع خطوط النقل إلى أوروبا وتركيا وروسيا، علماً بأن صادرات الزراعة تشكل (11%) من مجموع صادرات المملكة.

العاملون في الزراعة يؤكدون أن الموسم الحالي سيشهد تراجعاً كبيراً في الزراعات المبكرة نتيجة تخوف المزارعين من تدني الأسعار، ومشاكل التسويق تعتبر من أهم ما يعيق نمو القطاع الزراعي، إلى جانب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وشحّ مياه الري، وتراكم المديونية الزراعية وعدم توفر العمالة الزراعية الكافية.

تلعب الزراعة أدواراً حيوية في الاقتصادات الوطنية، إلا أن المعنيون عندنا لم ينجحوا حتى الآن بوضع الزراعة كمفهوم اقتصادي وطني يدخل في صلب الإطار الأمني السيادي للدولة!

ورغم أن وادي الأردن يشكل حاضنة الزراعة الوطنية، إلا أن العاملين في حقوله، يشكون من فوضى وإهمال كبيرين.

يمتد وادي الأردن من الشونة الشمالية إلى البحر الميت جنوباً، ويضم (62) تجمّعاً سكانياً ممتدة على مساحة (441) كم، تشكّل وحدة جغرافية، وإقليماً بذاته، وهو بذلك يعد من أكبر ست محافظات قائمة في المملكة، مع أنه يتوزع إدارياً على ثلاث ألوية (الشونة الشمالية، ودير علاّ، والشونة الجنوبية)، تتبع إلى (3) محافظات، ويوجد فيه تسع بلديات رئيسية، ويبلغ عدد سكانه حوالي (200) ألف نسمة.

يتميز الوادي بموقع فريد، وتربة خصبة ومناخ مميز، ولهذا يعتبر سلّة الغذاء للأردن، ويمكن الاستفادة منه لإنتاج محاصيل عالية الجودة وعلى مدار العام، وتتوزع أحواضه الزراعية حسب التقسيم الإداري، وهي تستفيد من المياه التي تنقلها قناة الملك عبدالله الممتدة من العدسية شمالاً حتى السويمة جنوباً، بالإضافة لعدد من السدود والأودية.

بالإضافة إلى الزراعة، يتمتع الوادي بفرصة الأنشطة السياحية العلاجية والدينية والترفيهية، ورغم كل ذلك، فإن أبناء الوادي لا يجنون إلا النزر الشحيح من خيراته، والمنطقة تعاني من مشاكل مزمنة في القطاع الزراعي، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وشحّ في مشاريع التنمية، وتغول المتنفذين الظالم على مقدرات الوادي.

تتفاقم مشاكل المزارعين بشدة هذا العام، ولقد لعب ارتفاع الحرارة وشدة الرياح، دوراً كبيراً في تفاقم مشكلات الوادي، وكان لشح مياه الري، والارتفاع الكبير على كلف الإنتاج، وتراجع العناية الحكومية، دوراً كبيراً في تضرر المزروعات وسقوط الثمار مبكراً وتكاثر الحشرات. كما تتحدث المصادر الرسمية عن أزمة عميقة تتعلق بمياه الشرب، وتورد أرقاماً كبيرة لنسبة الفاقد عن المياه بلغت (75%)، وحدوث أزمة في المناطق الوسطى، وتعزو ذلك إلى الاعتداءات على الخطوط واهتراء الشبكات الداخلية والخطوط الناقلة، بينما يضيف السكان بأن سطواً متكرراً على المياه يتم من قبل شخصيات الدولة ومتنفذين!

لقد عمد العديد من مزارعي الحمضيات في الغور الشمالي إلى قطف محصولهم مبكراً رغم عدم نضوجه، وذلك لتحصيل أعلى الأسعار قبل إغراق الأسواق بالحمضيات المستوردة أو عند بلوغ الموسم، أملاً بأن يعوضوا عن الخسائر التي لحقت بهم، خلال السنوات الماضية عندما تدنت أسعار المنتج المحلي إلى ما دون الكلفة، كما يتخوف غالبية المزارعين، سواء كانوا من الضمّانين أو المستأجرين من تكرار تجربة الضمان في ظل غياب أي دور للدولة في تقديم الدعم وترك المزارعين يتخبطون في مشاكلهم.

يعاني الوادي أيضاً من مشكلة العمالة غير المنظمة، خاصة أن القطاع الزراعي عموماً يمتص أعلى نسبة من العمالة المهاجرة، حيث تمثل العمالة المهاجرة ذات الوضع النظامي (68%) من القوى العاملة في هذا القطاع.

وقد لفتت دراسة أجراها مركز ” تمكين “، بأن فريق البحث عنده، قد وثّق انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقانون العمل بين العاملين في القطاع الزراعي، وكشفت الدراسة أيضاً عن وجود حالات إتجار بالبشر والعمل القسري، وزيادة ساعات العمل اليومية والتي تتراوح بين (10_13) ساعة تحت أشعة الشمس اللاهبة وانعدام شروط السلامة والصحة المهنية مع تدني ظالم للأجور، دون أن يتمتع هؤلاء العمال بأي نوع من التأمينات والضمان، وقد فاقم من المشكلة، استثناء العاملين في القطاع الزراعي من شمولهم بقانون العمل وعدم صدور نظام خاص ينظم وضعهم.

يحذر رئيس جمعية مزارعي وادي الريان، بأن الزراعة الغورية باتت مهددة في ظل استمرار ما أسماه صمتاً غير مبرر من قبل المعنين بالقطاع الزراعي على مختلف المستويات، وأن الزراعة في الوادي قد أصبحت غير مجدية وغير مربحة ولا تغطي تكاليف الإنتاج.

منذ حوالي (3) سنوات، طالبت لجنة أهلية ممثلة لمناطق وادي الأردن، الحكومة إلى إعلان وادي الأردن المحافظة (13) للمملكة، وقالت بأن المبررات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية متوفرة بشدة لذلك، وأن توزيع المنطقة الغورية بين عدة محافظات، يحرمها من مشاريع التنمية الكبيرة والفرص الوظيفية والتمثيل العادل في هياكل الدولة بما يتناسب مع عدد سكانها وحجم احتياجاتها!؟

ويشكو آخرون بأن أبناء الوادي لم يستفيدوا بالمطلق من الاستثمارات الكبيرة في محيط البحر الميت التي بلغت حدّ الاحتكار وتتحكم فيها (20) جهة فقط، تمسك بكل خيوط الصناعة السياحية هناك، وأن مقدرات الاستثمار هناك معزولة بالكامل عن محيطها الاجتماعي الديمغرافي

وملحقة مباشرة بالعاصمة.

يحاول بعض المزارعين البحث عن حلول متوسطة وبعيدة المدى لمشاكلهم، ويطالب بعضهم بإقامة مصنع للعصائر في الشونة الشمالية، ويطالب آخرون بضرورة أن تتصدى الدولة لدورها في تطوير البُنية التحتية والمياه والوقاية من الآفات والحشرات والأمراض الزراعية العامة وتنظيم العمالة وحماية المنتج الزراعي في تسويقه.. ولكن نقول أيضاً، لا بد من أن يبادر أبناء الغور بأخذ قضاياهم بأيديهم بشكل واعٍ وجماعي، وأن يبدأوا بشكل جدي في تأسيس الجمعيات الإنتاجية والتسويقية، ويشكلوا أدوات ضغطهم الفاعلة.

   

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى