الرمثا.. وإدارة الأزمة العامة / ماجد توبة
يفترض أن تكون أحداث الرمثا الأخيرة مؤشرا مهما للحكومة ولنا جميعا، يقاس من خلالها أكثر من بعد ومفتاح لقراءة الأزمة الداخلية المركبة التي نعيشها ووسائل التعاطي معها. وبالرغم من الرفض المبدئي للتعرض للممتلكات العامة والخاصة بالاحتجاجات فإن سياق هذه الاحتجاجات الشعبية يبدو مفهوما في ظل تراكم الأزمة المعيشية والاقتصادية بهذه المدينة الحدودية وعدم تقدير الحكومة لآثار قراراتها على الوضع العام لغياب الرؤية الشمولية عنها عند اتخاذ بعض القرارات!
قصة الرمثا هي نموذج مصغر لصورة أشمل تطال الوضع العام في البلاد، فثمة أزمة مركبة، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، تفاقمت مفاعيلها وآثارها عبر سنوات وأسهمت سياسات وقرارات الحكومات الأخيرة المتلاحقة في تفاقمها فيما غابت النظرة الشمولية عن التعاطي معها في ظل التركيز على سياسة الجباية لسد عجز الموازنة عبر سلة واسعة من الضرائب والرسوم وخفض الدعم ورفع الأسعار، وضاعف من الأزمة تأثرنا بالظروف الإقليمية المحيطة وإغلاق العديد من الأسواق المهمة بوجه صادراتنا وتجارتنا، وتراجع المنح والمساعدات العربية.
تفتيش الحكومة عن “الدفاتر العتيقة” كما التاجر الخاسر في حالة الرمثا دون حسابات شمولية لكلف وآثار القرار فجر الاحتجاج المكبوت منذ 8 أعوام هي عمر الأزمة السورية وتعثر التجارة مع هذا البلد، والتي ضربت أول ما ضربت الوضع المعيشي والاقتصادي لسكان الرمثا، وأغرقت شريحة واسعة منهم بالفقر والانهيار المعيشي، لتتفتق العقلية الحكومية القاصرة عن قرار وقف تهريب الدخان وبعض السلع وتجارة “البحارة” المتواضعة للحصول على بضعة ملايين تخفض عجز الموازنة.
القرار الذي أجج الاحتجاج بالرمثا، تماما كما هي قرارات ملاحقة أصحاب بسطات الخضار وبعض السلع والنثريات بشوارع عمان وغيرها والتي تعتاش منها آلاف الأسر الفقيرة والمعدمة، لن ينقذ موازنة واقتصادا، وهو أيضا لن ينفع التجار النظاميين ومصالحهم، فهؤلاء ليست مشكلتهم الرئيسية بالبسطات والتهريب المتواضع، بل بمراكمة أعباء رفع كلف الانتاج والتشغيل عليهم عبر سلسلة الضرائب والرسوم واسعار الكهرباء والخدمات، وتأثر تجارتهم وأعمالهم بانهيار القدرات الشرائية للناس جراء ذات السياسات الحكومية.
هم، التجار والصناعيون والحرفيون، كما الاقتصاد الأردني بحاجة لعمل جاد وصادق على فتح السوق السوري وتشجيع التبادل التجاري.
نتفهم أن ثمة العديد من القرارات والسياسات الحكومية الإيجابية وتؤسس لتحفيز الاقتصاد وتشغيل الناس وأن ثمة مشاريع مهمة تجري لتطوير خدمات النقل والصحة وغيرها، لكنها سياسات ومشاريع بحاجة لوقت لتنعكس آثارها على الأرض. لكن ذلك لا يعني “المخابطة” بقرارات وسياسات قاصرة تفتقد للنظرة الشمولية وتقدير كل أبعادها، سياسيا وأمنيا ومعيشيا وماليا، كما في موضوع الرمثا الأخير وقضية البسطات وغيرها.
الآلاف وربما عشرات الآلاف من متضرري الرمثا وعاملي البسطات والعربات تكفيهم وأسرهم أعمالهم المتواضعة الحاجة والمعوزة، بل وحتى اللجوء إلى صندوق المعونة الوطنية المثقل بأعداد منتفعيه وباثقال كاهل خزينة الدولة، فلماذا ندفع هؤلاء دفعا لسوق البطالة والمعوزة اللجوء إلى صندوق المعونة؟!
لا يمكن اليوم التعامل مع أوضاعنا الاقتصادية والمعيشية بنظرة قاصرة وغير شمولية، لا تقدر كل الأبعاد لأي قرار في ظل الأزمات المركبة التي نعيش. وقد تكون أحداث الرمثا الأخيرة فرصة مهمة للحكومة لتراجع نفسها وآليات تعاطيها مع الأزمات والمشاكل المستعصية وأن يخرج مسؤولوها من عقلية الموظف والإداري التنفيذي إلى عقلية السياسي ورجل الدولة الذي ينظر ويقدر أهمية ما بعد القرار ومدى انسجامه مع الأهداف الوطنية الكلية التي نرنو إليها.
الضوء الأحمر الذي تشعله أحداث الرمثا لا يقف عند هذه المدينة، وخطأ المقاربات والسياسات العامة التي لا تدير الأزمة بحصافة وشمولية، يمكن أن تمتد آثارها وانفجاراتها لا سمح الله إلى ما هو أبعد من الرمثا.