أخبار محلية

الدور الحكومي في الرقابة على السوق وحماية المستهلك: قوانين معطلة وأخرى معلقة

“لمجلس الوزراء بناءً على تنسيب الوزير أن يحدد أسعار أي من المواد الأساسية وأي سلعة أخرى يراها ضرورية، واعتبار موظفي الوزارة المفوضون من الوزير أثناء قيامهم بمراقبة الأسواق من رجال الضابطة العدلية”. المادة 7/أ من القانون المعدّل لقانون الصناعة والتجارة لسنة 2016.
لم يكن قرار إلغاء وزارة التموين في أواخر عام 1998 مفاجئاً، فقد سبقه قرارات حكومية أُلغي بموجبها الدعم الحكومي للسلع الأساسية (الأرز والسكر والحليب والشعير… إلخ)، إلا أن ما فاجأ المراقبين هو إعادة وزارة التموين عبر إلحاقها بوزارة الصناعة والتجارة في عام 2013، بعد ضغط شعبي ومحاولة حكومية لتهدئة الشارع وكسب ثقة المجلس النيابي عقب أحداث هبّة تشرين.

التزامات دولية على حساب مصلحة المواطن
ويرى الأستاذ ينال برماوي الناطق الرسمي باسم وزارة الصناعة والتجارة أن متطلبات انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية “WTO” وسلسلة التشريعات الاقتصادية التي أنجزها الأردن واتفاقيات مناطق التجارة الحرة مع عدد من الدول استدعى من الحكومة إجراء بعض التغييرات بالتعديل الهيكلي أو الإلغاء لعدد من الوزارات والمؤسسات ومنها وزارة التموين، وذلك تعزيزاً أيضاً لسياسة الانفتاح الاقتصادي. ويستطرد البرماوي “لكن في ذات الوقت وفّرت الحكومة عدداً من الإجراءات التي تضمن استقرار السوق من حيث وفرة السلع والحيلولة دون ارتفاع الأسعار ومواجهة أي محاولة قد تخلّ بمجريات السوق”.
ويشرح الأستاذ البرماوي في حديثه لـ نداء الوطن، الخطوات التي قامت بها الحكومة لضمان “استقرار السوق”، ومن ذلك تم إقرار قانون المنافسة الذي يوفر بيئة مناسبة للمنافسة المشروعة في السوق، ما انعكس إيجاباً وساهم في تعزيز أركان السوق من خلال ارتفاع حجم المخزون من السلع وتعدد الخيارات أمام المستهلك واستقرار الأسعار،إضافة إلى الدور الرقابي الذي تقوم به وزارة الصناعة والتجارة والتموين على الأسواق للتأكد من التزام التجار بقانون الصناعة والتجارة وسلامة أوضاع السوق.
ويضيف البرماوي “كما جاءت تعليمات المغالاة في الأسعار لتعزيز الجهود الرقابية على السوق وضبط الأسعار ومعالجة حالات المغالاة فيها علماً بأن قانون الصناعة والتجارة أعطى لمجلس الوزراء تحديد أسعار من أي السلع الأساسية والضرورية، كما تضمن القانون المعدل للصناعة والتجارة الذي بدأ العمل به في السادس عشر من الشهر الجاري تغليظاً للعقوبات على التجار المخالفين.
ويعتبر الأستاذ ينال البرماوي الناطق باسم وزارة الصناعة والتجارة أن الحكومة قامت بخطوات أخرى هامة على هذا الصعيد تمثلت بإحالة الحكومة قبل 3 سنوات مشروع قانون لحماية المستهلك إلى مجلس النواب لتعزيز منظومة التشريعات الناظمة للسوق وحماية المستهلك. وإضافة كلمة “والتموين” إلى وزارة الصناعة والتجارة والتموين وذلك بهدف إبراز الدور المهم الذي تقوم به الوزارة لضبط السوق وحماية المستهلكين وإدارة ملف التموين باقتدار وتعزيز سياسات الأمن الغذائي وحماية المستهلك.
غير أن الدكتور عصام الخواجا منسق حملة الخبز والديمقراطية يرى أن إعادة مسمى “التموين” وإلحاقه بوزارة الصناعة والتجارة، لا ينم عن تحول في رؤية الفريق الاقتصادي الحكومي، ولا يعدو كونه جزءاً من الرتوش الإصلاحية غير الجوهرية، التي بمحصلتها لا تخرج عن نطاق الاستجابة لنفس شروط عدم التدخل الحكومي في الأسعار، والاستمرار بإدارة الإعلان عن الأسعار فقط.
ويضيف الخواجا وهو نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية في حديثه لـ نداء الوطن، أن ما حصل تمثل في أن صلاحيات الاستيراد والتسعير انتقلت بعد إلغاء وزارة التموين إلى كبار التجار وأصحاب رأس المال. واعتبر الخواجا ، أن دور وزارة الصناعة والتجارة والتموين اختُزل في ملف التموين بالرقابة “الشكلية” على إعلان الأسعار من قبل التجار.
وحول إلغاء وزارة التموين، اعتبر الدكتور الخواجا أنه جاء ضمن مجموعة إجراءات كان جوهرها تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي بتحرير السوق والتجارة ورفع يد الدولة عن التحكم بآليات السوق من تدفق سلعي واستيراد وتحكم بالأسعار.
وأضاف الخواجا أن إلغاء وزارة التموين كان جزءاً من الإجراءات للتكيف مع متطلبات منظمة التجارة العالمية لدخول الأردن في عضويتها وشملت شروطاً أخرى لهذا الاستحقاق كفرض ضريبة المبيعات، وإلغاء الدعم عن السلع الضروري .. الخ.
فيما يكشف السيد خليل الحاج توفيق نقيب تجار المواد الغذائية أن المادتين الوحيدتين اللتين تقوم الحكومة باستيرادهما وتسعيرهما هما مادتي القمح والشعير، بسبب بقاء الدعم على هاتين السلعتين.
ويلفت الحاج توفيق في اتصال مع نداء الوطن، إلى أن حكومة النسور على أرض الواقع قامت بإضافة كلمة التموين على وزارة الصناعة بالاسم فقط، بهدف الحصول على ثقة المجلس النيابي وتضليل الرأي العام والنواب أن هناك عودة لوزارة التموين.
ويضيف الحاج توفيق أن أعضاء نقابة تجار المواد الغذائية يطلقون على وزارة التموين اسم وزارة “التمويه”، لأن الكل يعلم أنه يُمنع على الحكومة الأردنية تقديم دعم للمواد الغذائية الأساسية، فطالما لا يوجد دعم لن يكون هناك وزارة تموين. فبالتالي إضافتها (التموين) هي فقط لذرّ الرماد في العيون ولـ”التمويه”.
ويرى الدكتور محمد عبيدات رئيس جمعية حماية المستهلك أن إلغاء وزارة التموين كان خطأً قاتلاً، وقد جاء ذلك تنفيذاً لأجندات وأصحاب المصالح ولصالح جهات اقتصادية خارجية. وأكد العين عبيدات في حديثه لـ نداء الوطن أن المواطن هو في النهاية من يدفع ثمن هذه السياسات الحكومية.
وفيما يتعلق بالقرار الحكومي إعادة إضافة كلمة “التموين” لوزارة الصناعة والتجارة والذي اتخذته حكومة النسور قبل ثلاثة أعوام، يرى عبيدات أنه لا يتعدى كونه “إكسسوار” فقط، وليس لها أي مدلول على أرض الواقع. حيث تكتفي الحكومة بالطلب من التاجر فقط إعلان السعر على السلعة بغض النظر عن عدالته.

تحديد أسعار السلع
لم تكتفِ الحكومة بالتعديل الشكلي المتمثل بإضافة كلمة “التموين” لوزارة الصناعة والتجارة، في لحظة مد للحراك الشعبي، وهي الإضافة الشكلية التي لم تغنِ و”لم تسمن من جوع”. لم تكتفِ الحكومة بهذا الإجراء الشكلي، فقد قامت كذلك بتقديم تعديلات على قانون الصناعة والتجارة تم إقرارها مؤخراً من قبل مجلس النواب قبيل حلّه، وتمثلت هذه التعديلات بإعطاء الحكومة الصلاحية الكاملة لتحديد أسعار السلع الأساسية وأية سلع تراها الحكومة ضرورية.علماً بأن القانون المطبق منذ عام 1998 كان يعطي الحكومة الحق في تحديد أسعار السلع الأساسية، إلا أن الحكومة لم تستخدم هذا الحق ولو لمرة واحدة.
ويرى المحلل الاقتصادي الأستاذ محمد البشير أن تحديد أسعار السلع بشكل عام يتناقض مع فلسفة الحكومة في وصف اقتصاد الأردن الذي أصبح ومنذ منتصف التسعينات الأقرب إلى اقتصاد السوق حيث وقعت الحكومة آنذاك على اتفاقية التجارة الحرة والتي تعني تحرير تجارة السلع والخدمات وانعكاساً لذلك تحرير أسعار السلع والخدمات أيضاً.
ويضيف البشير في حديثه لـ نداء الوطن أن تدخل الدولة في مختلف النشاطات الاقتصادية عاد بعد الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالعالم وتأثر بها الأردن أيضاً على أكثر من صعيد وامتد هذا التأثر برياح (الربيع العربي) الذي دفع الحكومة الأردنية إلى التعامل الناعم معه من جهة وعلى عودة الحكومة إلى التدخل بدعم السلع الأساسية وخاصة منها أسعار الكهرباء على وجه الخصوص. ويردف البشير “مؤخراً عادت سلطة الحكومة إلى الواجهة شيئاً فشيئاً وعادت معها سلطة رأس المال أيضاً التي بدأت تؤثر على القرار الحكومي في أكثر من موقع، حيث عاد القطاع الخاص والمتغول منه على بعض السلع ليفرض أسعاره”.
ويرد الناطق باسم وزارة الصناعة والتجارة على الاتهامات بخصوص عدم تفعيل الحكومة للقانون فيما يتعلق بالمادة التي تنص على حق الحكومة بتحديد أسعار السلع الأساسية، بالتأكيد على أن هذه المادة تم تفعيلها خلال الأعوام 2014-2015 بتحديد سقوف سعرية للعديد من السلع وأهمها الخضار والدجاج وبيض المائدة من خلال (14) قرار، وكذلك تحديد أسعار المحروقات والخبز وبعض أصناف الكعك.
ويفنّد العين عبيدات رئيس جمعية حماية المستهلك تصريحات البرماوي بالتأكيد على أن هذه المادة (المادة 7/أ) لم يتم تفعيلها من قبل الحكومة رغم اضطرابات السوق في فترات سابقة، مشيراً إلى اعتقاده أن عدم تفعيلها كان به مجاملة لبعض التجار الذين يتحكمون في استيراد تلك السلع خصوصاً المرتبطين بعقود طويلة الأمد مع الدول التي تصدر لنا هذه السلع أو المنتجات مما يجعلهم وكيلاً حصرياً للأردن فقط والمسؤول الوحيد عن أحوال المستهلكين.
فيما يعتبر نقيب تجار المواد الغذائية الأستاذ خليل الحاج توفيق أن قيام الحكومة بتحديد الأسعار يخالف اتفاقية التجارة الحرة. ما يعني أن الحكومة وضعت هذه المادة وهي تعلم أنها لا تستطيع تطبيقها.
ولفت الحاج توفيق إلى أنه مرّت فترات من 2005 – 2007 كان هناك ارتفاعات قياسية للمواد الغذائية ولم تقم الحكومة بتسعير هذه المادة لأنها تعلم خطورة هذا الأمر، ولكنها كانت تخشى أن تصرّح في الإعلام أن الارتفاعات مبررة وكانت تحمّل فشلها على شماعة التجار وتصفهم بالجشعين والحيتان.

تعطيل إقرار قانون حماية المستهلك لمصلحة من؟!
على الرغم من مرور ما يقارب الثمانية عشر عاماً على إقرار الحكومة لمشروع قانون حماية المستهلك أول مرة، إلا أن هذا القانون لم ير النور حتى الآن، وبقي مشروع القانون عرضة للتغيير والتبديل دون أن يتم إقراره من قبل مجلس النواب حتى اللحظة. ما يضع علامات استفهام كبيرة حول سبب هذه المماطلة الحكومية – النيابية في إقرار قانون يصب في مصلحة المواطن.
وفيما يكتفي الناطق باسم وزارة الصناعة والتجارة الأستاذ ينال برماوي في رده على استفسار نداء الوطن بالتأكيد على أن الحكومة أقرت قانون حماية المستهلك بالعام 2013، وتم رفعه لمجلس الأمة للسير في مراحله الدستورية لإقراره، نافياً أن يكون عدم إقرار القانون مرده نفوذ أصحاب رأس المال في صنع القرار تمنع إقرار القانون.
يلحظ الدكتور عصام الخواجا منسق حملة الخبز والديمقراطية ونائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية أن مشروع قانون حماية المستهلك خضع في السنوات الأخيرة لتعديلات مختلفة وفي أكثر من محطة بسبب التجاذبات بين الجهات الثلاث التي كان قيد تداولها، وهي الحكومة والقطاع الخاص وجمعية حماية المستهلك، وبقيت هوّة الخلاف حول نصوصه قائمة، وبالرغم من أن القانون حسب المصادر الحكومية “يستهدف حماية المواطنين من الاحتكار والتلاعب بالأسعار”، إلا أن العقبة الرئيسية في تعطيل إقراره يعود –وفق الخواجا- إلى غلبة وجهة نظر من يمثلون القطاع الخاص ومراكز الثقل الرأسمالي، الذين يتمتعون بنفوذ وسطوة داخل الفريق الحكومي.
أما نقيب تجار المواد الغذائية الأستاذ خليل الحاج توفيق فيحمل مسؤولية عدم إقرار قانون حماية المستهلك إلى مجلس النواب والطريقة التي يتم مناقشة القانون فيها، متهماً جهات بعينها بأنها تريد أن تقوم بتفصيل القانون على مقاسها، ولمصالحها ومن ضمنها ابتزاز القطاع الخاص وليس حماية المستهلك.
فيما يعتبر المحلل الاقتصادي الأستاذ محمد البشير أن قوى رأس المال هي التي تتحكم في التشريعات انعكاساً لعلاقة السلطة التنفيذية برأس المال والتي ستضع أو تعدل أو تلغي أي تشريع لا يخدم مصالحها. لافتاً إلى أن قانون حماية المستهلك سيبقى رهن الأدراج ما دامت قوى الشعب المختلفة غير قادرة على فرضه على مجلس النواب لمناقشته وإقراره، وما دامت البيئة التي تحكم مدخلات مجلس النواب سائدة فإن هذا القانون إذا أقر فسيكون لصالح قوى رأس المال أيضاً، فالتجربة دلت على أن مخرجات مجلس النواب لن تكون لصالح الناس.
في ظل ارتفاع معدلات الفقر واتساع رقعته، وفي ظل الارتفاعات المتتالية للتضخم، لا تزال الحكومة مصرة على الانحياز لرأس المال على حساب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والمتوسط. ويبدو أن غياب التمثيل النيابي الحقيقي للشعب يسهم في تعزيز سطوة أصحاب رأس المال على القرار الحكومي المنصاع بالكامل لخدمتهم وتطبيق اتفاقيات صندوق النقد الدولي التي لم تجلب للأردن سوى المزيد من الفقر والبطالة وتراكم الديون.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى