الدروس التي أفرزتها الكوارث الطبيعية
لم يكن قد مضى أسبوعان على مأساة البحر الميت التي ذهب ضحيتها (21) طالباً جراء السيول والفيضانات، حتى انشغلت الحكومة بكامل مكوناتها بالبحث عن الأخطاء البشرية التي قد تكون تضافرت مع قسوة الطبيعة في أحداث تلك الكارثة.
لقد تم تشكيل عدة لجان حكومية وبرلمانية للتحقيق في تلك الكارثة، ويبدو أن نتائج تلك اللجان لم تتجاوز حدود التقاط بعض الأخطاء الإدارية المحدودة دون ملامسة جوهر المأساة من ناحية وبشكل شمولي من ناحية أخرى.
لهذا نقول لم نكد نستفيق من هول تلك الكارثة، حتى داهمتنا كارثة أخرى لا تقل عن الأولى بقساوتها حيث فقدنا (13) مواطن بسبب التساقط الغزير للمياه وخصوصاً في معان والبتراء ومأدبا الأمر الذي أدى إلى تشكل السيول الجارفة التي داهمت المنازل القريبة من الأودية.
ثمة أصوات حكومية عديدة ارتفعت حاولت إلقاء اللوم على الطبيعة وما يعرف بــــ(التغير المناخي).
وإذا كنا لا ننكر دور الطبيعة والتغير المناخي كنتاج لحالة ما يعرف بــــ(الاحتباس الحراري) فإننا نعتقد أن من تابع اسلوب التعامل مع الكارثة الأولى والثانية سيخرج بدون شك باستنتاج واضح عن مدى الضعف الذي تتسم به البنية التحتية للدولة وحجم الترهل (الإداري والبيروقراطي) العاجز عن التعامل الديناميكي والمبادر مع الكوارث وحالات الطوارئ.
إننا نعتقد أن الاختبار الجدي والحقيقي لفعالية المؤسسات ومدى جاهزيتها لا تقاس في الأمور العادية، بل إن الاختبار الحقيقي لنجاعة هذه المؤسسات وفعاليتها، يمكن أن يتحقق فقط في الظروف غير الطبيعية، فهي التي تكشف لنا عن كفاءة المؤسسات ومدى تغلغل الفساد فيها.
تشير التنبؤات الجوية إلى إمكانية حدوث مثل هذه المنخفضات الجوية وحالة عدم الاستقرار الجوي وتكرارها، الأمر الذي يفرض على الحكومة وكل أجهزة الدولة الارتقاء بــدورها للقيام بمسؤولياتها للتعامل مع مثل هكذا كوارث.
إن المعالجة ذات البعد الشامل يجب أن تنطلق من إعادة النظر بكل جهازنا البيروقراطي وآليات عمله، سواء لجهة متابعة الحدث أو طرق مواجهته أو متابعة آثاره وصولا إلى الارتقاء في الأداء وتخفيض الخسائر إلى أدنى درجة.
هذا لا يتحقق بدون رسم خطط لمواجهة الكوارث والاستفادة مما أفرزته تجربتنا في التعامل في الأيام الماضية.
إن المبادرة لتوفير الاحتياجات الضرورية لخطط الطوارئ باتت أكثر من ضرورة، وبات توجيه أجهزة الدولة لصيانة البنى التحتية مهمة عاجلة بحيث تكون جاهزة للتعامل مع الحالات الطارئة.