الخبير التربوي الأستاذ حسني عايش يكشف لـ نداء الوطن سيطرة الفكر الداعشي على مناهجنا
عايش: خلل في النظام التربوي وسيطرة “إسلاموية” على مفاصله، والتعليم يتحول إلى تعليم طبقي
نداء الوطن _ فاخر دعاس _ 23 آذار 2016
عايش: خلل في النظام التربوي وسيطرة “إسلاموية” على مفاصله، والتعليم يتحول إلى تعليم طبقي .
من هو حسني عايش
– ولد في قرية كفر اللبد من قضاء طولكرم/ فلسطين في أواسط ثلاثينات القرن الماضي.
– درس في مدرسة القرية والتحق بدار المعلمين وتخرج فيها سنة 1954 ثم اشتغل معلماً في المدرسة الصلاحية الثانوية في نابلس ثم سجن لأسباب سياسية في ذلك الوقت وبعد براءته نقل إلى جنين ثم الى طولكرم
– ذهب لدراسة التخطيط التربوي وكان من أوائل الذين درسوا هذا الموضوع الجديد، بعد ذلك عيّن رئيساً لقسم التخطيط التربوي في وزارة التربية.
– درسفي الولايات المتحدة دراسات عليا في الإدارة وعلم الاجتماع، ثم عين عند العودة مديراً أو عميداً لدار المعلمين والمعلمات.
– عضو سابق في مجلس أمناء في المركز الوطني لحقوق الإنسان، واللجنة الملكية للميثاق الوطني 1989، ومجلس أمناء حقوق الإنسان، واللجنة الملكية للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
– عضوسابق في مجلس التربية والتعليم، وفي مجلس التعليم العالي.
– مع عودة الحياة الديمقراطية في الأردن، عُين في مجلس الأعيان عام 1989، حيث كان مجلساً قوياً جداً.
– كاتب عامود يومي في الصحف والمجلات في اتجاه واحد هو الاتجاه العلماني الديمقراطي –وفق ما يؤكد-، لم يطرأ عليه ولم يحد ولم يتخلى عنه، سابحا عكس التيار. من الصحف التي عمل فيها ككاتب عامود يومي: الرأي، والدستور. ويكتب حالياً في جريدة الغد.
– ألّف سنة 1972 بشراكة المرحوم الأستاذ عيسى أبو شيخة، كتاب المجتمع العربي.الذي تحدث في حينه عن ضرورة الديمقراطية في المجتمع العربي .
الأستاذ حسني عايش الخبير التربوي والكاتب في أكثر من صحيفة يومية أردنية وعربية، هو ضيفنا لهذا العدد لنتحدث حول التعليم والمناهج والكتب المدرسية ورفع الرسوم الجامعية، وانتشار الفكر الداعشي بين الشباب العربي.
الكتب المدرسية و”الإسلامويون“
نداء الوطن: أنت من أكثر الناس الذين كتبوا في موضوع تطوير المناهج المدرسية والتربوية والأفكار التي تطرح في الكتب والمجتمع. في قراءتك لتطوير المناهج الذي بدأت به الحكومة منذ ثلاث سنوات وما تقوم به، هل ترى أن الحكومة جادة في تطوير المناهج؟
د. حسني عايش: أولاً أحب أن ينتبه الناس إلى التمييز بين المناهج والكتب. المناهج هي خطوط عريضة، رؤوس أقلام، تستطيع أن تؤلفها بطرق عدة، فإذا كان الذين يؤلفون الكتاب حسب المناهج من حزب التحرير، تأخذ شكله، وإذا كانوا إسلاميون، تأخذ شكلهم، وإذا كانوا علمانيين تأخذ شكلهم، فالمشكلة ليست كلها في المناهج المشكلة في الكتب المدرسية التي تعكس هذه المناهج حسب المؤلفين.
ولما كان المؤلفون بوجه عام من طينة واحدة في العقود الماضية، فقد اتخذت تأليف شكلهم،.كانوا اسلامويين . هنا يجب أن نفرّق بين الإسلاميين والإسلامويين ، فالإسلاميي نسبة إلى الاسلام (islamic)، أما “الإسلاموي” فأيديولوجيته إسلاموية وهدفه إقامة دولة إسلامية على طريقتة السلفية الجهادية. لا تزال هذه العملية مستمرة، وليس من السهل وقفها، فهي تأخذ وقت طويل.
وزير التربية أعلن في ندوة سابقة أنه جاد في التغيير ، وقلت له سأدعو إلى أن تبقى وزيراً لعدة سنوات لتغيير المناهج. ولكن عندما ظهرت الكتب الجديدة القليلة، تبين أنها لا تختلف عن الكتب القديمة، وقدمت دراسة عن أسئلة الكتب الدراسية العلمية في جريدة الغد 14/2/2016، استحضرت جميع كتب العلوم من الأول الابتدائي لنهاية المرحلة الإلزامية والثانوية، وقد وجدت شيء ليس له مثيل في العالم، كل درس من دروس العلوم يبدأ بآية كريمة، والآية لا تشرح ولا تفسر ولا تؤول، إن كان عن الفلك.. آية الشمس والقمر تجري لمستقر لها.. إلخ، أنا لست ضد ذلك، لكن إذا أردت وضع الآية، فإذا أراد المعلّم أن يشرح الآية يتحول الدرس إلى درس دين، ويصبح التعليم كله دينياً، وإذا لم يبحث فيها ولم يشرحها، كأنه يقول للتلاميذ لا قيمة لها، العلم أهم، ولذلك كأنه هناك صراع بين الدين والعلم، الدين له منهج وهو الوحي ويهتم بالغيبيات، والأجوبة فيه جاهزة، والعلم يهتم بالحاضر وبالمادة، وأجوبته غير يقينية،والجمع بينهم في مكان واحد لن يفيد لا العلم ولا الدين. وأنا قلت في المقال، أنت عند الذهاب إلى الجامع ولو كنت أكبر عالم بالفيزياء يجب أن تتقيد بمتطلبات الصلاة في الجامع، ولكنك نفس الشخص عند ذهابك إلى المختبر يجب أن تفكر كعالم، فأنتم ماذا تريدون من ذلك. وكنت قد بيّنت العلاقة كيف يجب أن تكون بين الدين والعلم، وهي علاقة استقلال وكل واحد له مكانه وشروطه ومنهجه. وسنظهر هذا الكلام في كتيب قريباً.
لذلك أنا لا أشك في الحكومة بأنها ليست لها إرادة في التغيير، ولكنها تواجه مقاومة شديدة ليس من السهولة التغلب عليها، لو وضعوا أي أحد في ذلك المكان، لا يستطيع مقاومة النظام التربوي فهو عبارة عن أنظمة فرعية يوجد فيها قوى تستطيع أن تحبط عمل أي مجلس.
النظام التربوي ومشكلة التعليم العام
نداء الوطن: إذن أنت ترى بأن الحكومة جادة أو لديها الرغبة ولكن ليس لديها القدرة؟!
د. حسني عايش: أعتقد أن الحكومة لديها الرغبة ولكن ليس لديها القدرة الناجزة الفورية لذلك، لأن حتى الرأي العام لا يتحرك، نكتب في ذلك، ولكن من يؤيدنا، لا أحد، نقابة المعلمين يجب أن تجيء لمساعدة الوزارة على تحسين التعليم والتعلم، نحن حُبسنا بسبب نضالنا من أجل تأسيس النقابة في الخمسينات.
الآن هم يقطفون ثمار نضال استمر أكثر من خمسين عام، الهدف من النقابة تحسين نظام التعليم، بكل تفاصيله، وليس فتح مكتب للمعلمين الذين يريدون أن يحجوا أو يعتمروا، هذه مهمة وزارة الأوقاف.
نداء الوطن: هنا ندخل في موضوع مشكلة التعليم العام هل هو مشكلة إمكانات المعلم أم مشكلة المناهج، أم أنها مشكلة أساليب التدريس؟
د. حسني عايش: المشكلة في النظام التربوي ككل، عندما نفكر نُظمياً، يجب معالجة الأمور نظمياً، لا تستطيع أن تحصر المشكلة في المعلم أو الكتب، كلها مجتمعة. طلابنا في الثانوية مخرجات ثم يصبحون مدخلات في الجامعة، ثم يصبحون مدخلات في التعليم.
لذلك كان الكلام الذي يحكى في الجرائد والندوات، كله كلام عام، لا يفيد، يقولون أن التعليم متدهور ومتخلف، وثم ماذا، عند الدخول في التفاصيل، تجد كل شيء بحاجة إلى إصلاح، على مستوى المدرسة، هل المرافق المدرسية مؤاتية للتعلم، هل هناك ساحات لإقامة النشاطات؟ الحمامات هل يوجد فيها مياه؟ أتحدى القائمين في الوزارة والذين يدافعون عن نظام التعليم أن يزوروا المدارس الحكومية، ماذا سيجدون ؟ سيجدون مدارس عفنة، يجب أن تكون المدرسة مبهجة كي يحبها الأطفال، وإذا كانت المدرسة غير مبهجة لا يحبها الأطفال.
الإدارة كيف يكون المدير؟ مجرد مدير أوراق تخرج من عنده وأوراق تدخل إليه. المعلم، هل المعلم معد لهذه المهنة. التعليم ليس مهنةحتى الآن مع أنه مكتمل الجوانب من حيث المهنة لكنه ناقص قليلاً بسبب الإعداد غير المنتظم فيه. لا يوجد دُور معلمين مثل كليات الهندسة لإعداد المعلمين. يدخل خريجو الجامعات في التعليم وهم غير معدين للتعليم.
نداء الوطن: هل تقصد أن عدم وجود معهد معلمين مثل السابق يلعب دوراً في غياب المعلم المؤهل، وهل يعني ذلك أن كليات التربية لا تفي بالغرض؟
د. حسني عايش: كليات التربية موجودة ولا تستطيع إعداد المعلم ولم تحل المشكلة. هذه الكليات تعلم على الطريقة الأمريكية، وأنا لا أؤمن بهذه الطريقة في إعداد المعلمين. فهي لا تجعل الشخص( يصبح) معلماً. او يجب ان يكون او يشعر ان في داخله معلما لا شخصا يشتغل في التعليم ولكنه ليس معلماً
إعداد المعلم مطلوب وهذا المعلم يجب ان نعطيه ما يستحق من مكافأة بحيث يبقى أحسن المعلمين في العمل، ولا يدخل العمل الناس العاطلون عن العمل
إعداد المعلمين ليست مسألة بسيطة، الاعداد له أركان: الركن الأول المادة التي سيعلمها المعلم ، يعني إذا كان مطلوبا منك اعداد معلمين لتعليم الفيزياء للمرحلة الالزامية او الثانوية ، فيجب أن يتقن المعلم تلك المادة نظريا وعمليا، الآن يتخرج المعلمون في الجامعة وهم غير متقنين للمادة العلمية، لذلك يحرجون أمام التلاميذ ، عندما يتقن المعلم مادته يشعر بالثقة أمام التلاميذ ويقبل الأسئله منهم ويحب مهنة التعليم .
ثم يأتي الركن المسلكي : أسلوب التعليم، طريقة التعليم، كيف يخاطب التلاميذ، كيف يتصرف معهم كل هذا له علاقة بالتعلم.
ثم نظرية التعلم، أي معتقدات المعلم التربوية اي النظرية التي يؤمن بها في التعلم : . ما النظرية التي يتبناها المعلم في التعليم؟ هل يعتقد بأن الأطفال غير قادرين على التعلم إلا بالعصا؟
إذا كنت تؤمن بالنظريات التقليدية بأن الذكاء محدود وأن القدرات موزعة وأن لا قدرة لك بتغيير ذلك، لن تبذل جهداً. ولكن إذا كنت تؤمن بأن الذكاء ينمو وقدرة الطفل على التعلم غير محدودة إذا أعطي الفرصة والتحدي، ستعطي وتبذل جهداً هائلاً.
أصبح الطالب يدخل المدرسة وهو مندهش، اي محب للتعلم .
ان مهارات ما قبل المدرسة التي يتقنها الطفل كالحذو والوقوف والمشي الى آخره اصعب من تعلم مهاراة القراءة والكتابة أصعب من قراءة الكتب المدرسية،
وأنا أدعي بأن قدرة الطفل على التعلم غير محدودة، كل أطفال العالم ما عدا المعوقين عقلياً يتقنون مهاراتهم في ب، يتعلمون اللغات، والمهارات البدنية، قبل دخول للمدرسة. هل الطفل الصيني أو الأمريكي ….عنده جهاز خاص باللغة الصينية أو الإنجليزية…؟ لا كل الأطفال لديهم نفس جهاز التعلم .
دورة واحدة للتوجيهي تحت حجة توفير المال والوقت
نداء الوطن: ما هو تقييمك لقرار وزارة التربية بجعل التوجيهي لدورة واحدة؟
د. حسني عايش: أنا لا أؤيد العودة إلى نظام الجلسة الواحدة للمادة الواحدة في التوجيهي، لأن علم النفس يقول أن تجزئة المادة وتقيديمها في اكثر من اتحان يؤدي إلى تحسين الأداء في المرات القادمة، وهذا ثابت في علم النفس،
وأنا أعرف دون أن أعلم لماذا؟ وذلك لتوفير مالي وإداري وخلاص من الإشكالات وتخفيض العبء إلى النصف وذلك على حساب التلميذ .
هذا العبء وهذه الأموال تستحق أن تصرف ليقدم التلاميذ الامتحان على دفعتين.
وقد قمت بتأليف كتاب عن ذلك، وقدمت أكثر من مشروع لتطوير التلميذ في التخصص في الجامعة، ونجعل اللغتين العربية والإنجليزية فرضا على الجميع.
الفكر الداعشي والمناهج المدرسية
نداء الوطن: مع ظهور جماعة داعش، ترافق مع ظهورها واكتشفنا مؤخراً حجم انتشار ما يمكن تسميته بـ “الفكر الداعشي”، بمعنى أن الشخص مقتنع بأفكار هذه الجماعة وفي نفس الوقت يرفض أفعالها. أريد أن أفهم وأنت المختص، هل الكتب المدرسية تساعد على ذلك؟
انا اسمي الأطفال قي المدرسة تلاميذ في الجامعة الطلبة .
، ومنذ هزيمة حزيران وهذا التعليم يكرس الفكر الداعشي ، وهذا التعليم فضحته الدراسات التي نشرت في الآونة الأخيرة. وأنا كتبت منذ فترة طويلة في هذا الموضوع كتبت أن التعليم في بلاد العرب والمسلمين هو دفيئة الإرهاب، لأنه يعلم على بعد واحد وطريقة سلفية تكفيرية، وكان الأطفال منغمسين في ذلك وكذلك المعلمون والمنهج الخفي هو ما يقوم به المعلمون في المدرسة وفي الصف على حساب المنهج الرسمي. هناك فيبعض الكتب المدرسية إشارات إلى الديمقراطية، ولكن المعلم الإسلاموي يتجاهل ذلك ويقول للتلاميذ بأن هذا كفر وافد من الغرب، الإسلام هو الحل، . هذا هو المنهج الخفي. والمنهج الخفي أغلب اتجاهه سلفي جهادي، وعندما ظهر داعش، صار بعضهم يؤيده بأيديهم او بألسنتهم او بقلوبهم وأنا أقول لك بأن الكثير من الناس أو معظمهم داعشيو الاتجاه، وهناك أساتذة في كليات الطب والهندسة يحاججونك في الفكر الداعشي. وأنت تدهش من هذه المواقف التي بنيت خلال الخمسين سنة الأخيرة .
ارتفاع الرسوم وطبقية التعليم
نداء الوطن: في ظل الارتفاع في كلفة التعليم في المدارس الخاصة، والتعليم الجامعي، وفي ظل الاحتجاجات التي تشهدها بعض الجامعات الأردنية على رفع الرسوم الجامعية، ما هي تأثيرات الكلفة العالية للتعليم على جودته وقدرة المواطن على توفير التعليم لأبنائهم وعلى مخرجات التعليم؟
د. حسني عايش: يصبح التعليم طبقياً، من لديه ما يكفي من المال لإرسال ابنه إلى المدرسة الخاصة أو إلى الجامعة الجيدة، هو الذي سيحصل على التعليم. ومن لا يقدر، سوف لن يواصل تعليمه وبخاصة الجامعي. ومعنى ذلك تناقص عدد الطلبة في المستقبل، وعندما يتناقص عدد الطلبة يتناقص عدد الخريجين، وعندما يقل الخريجون تقل فرص التقدم الثقافي والاقتصادي والإبداع والابتكار، لأنه كلما قلت المساحة المزروعة من الأرض قل الإنتاج.
عندما نزيد فرص المتعلمين بمختلف مراحل التعليم، فإننا نزيد من فرص الإبداع والابتكار التي يقوم التقدم عليها اليوم كما يقول المفكر الشهير بيتر دركر.
لقد تمكّن الكورييون في الإبداع والابتكار من تطوير السيارات والكاميرات والإلكترونيات ومنافسة دول العالم، لأن فرص التعليم ألأكثر تأتي بمبدعين أكثر. ويجب أن يكون التعليم جيداً وليس مجرد دخول من باب وخروج من باب وكأنه لم يكن هناك تعليم وتعلم .
ثم أن الإنسان يتكون من الجسد والعقل، ولا تستطيع أي دولة ولا أي أمة في العالم أن تنتج إذا كان الجسد مريضاً، ولا تستطيع أن تتقدم ثقافياً وفكرياً وتكنولوجياً إذا كان العقل متخلفاً.
إذن يجب أن تكون الطبابة مجانية للاهتمام بهذا الجسد، والتعليم مجاني للاهتمام بالعقل، فالعقل هو الذي يبدع ويفكر والجسد هو الذي يعمل وإذا لم يكن هناك من يرعاهما فما الفائدة؟ كل الحضارة الاقتصادية والفكرية تعتمد على الجسد والعقل، لذلك يجب على الجهة التي تهتم بالجسد والعقل أن تكون خدماتها لهما مجانية.
وعندما لا يكون هناك ما يوفر هذه المجانية، فان معنى ذلك أن هناك خللا في الأولويات وأن المال يذهب إلى جهات أقل اولوية .
وعليه يجب أن لا يشكوا رؤساء الجامعات الرسمية والمدارس العامة من نقص في التمويل. وأن لا يضيعوا وقتهم في الصراع مع الطلبة الذين يطالبون في تخفيض الرسوم يجب أن يكرسوا جهدهم ليديروا التعليم ويجعلوه أفضل مما كان عليه في المرحلة الماضية.