الحكومة تخرج من أزمتها مع النواب بــ “نصف دينار”
- انسحاب 45 نائباً من “حجب الثقة”، ومراقبون: مسرحية النواب – الحكومة “مكشوفة”
في الوقت الذي كان فيه الإعلام منشغلاً بمتابعة ما ستؤول إليه معركة النسور-النواب على أرض الثاني، كان للمواطن البسيط حسبته المختلفة. فهذا المواطن لم يكن معنياً ببقاء الرئيس من عدمه بقدر اهتمامه بما سيؤول إليه سعر جرة الغاز التي قام الرئيس النسور برفعها نصف دينار.
الاتفاق الذي تم بين المكتب الدائم لمجلس النواب ورئيس الوزراء والذي نجم عنه التراجع عن رفع سعر جرة الغاز في مقابل تعويض هذا التراجع من خلال رفع أسعار المحروقات الأخرى (البنزين والديزل)، وإعادة النظر بتسعيرة ترخيص السيارات ليصبح تطبيقها على السيارات التي يتم شراؤها بعد تنفيذ القرار. هذا الاتفاق وجده البعض التفافاً على إرادة المواطن الأردني الذي شعر بأن “السيل قد وصل الزبى”، فيما اعتبره آخرون إنجازاً يسجل لمجلس نواب لم يسبق أن سُجل له سوى خذلان إرادة الناخب والمواطن.
النائب الدكتورة رولى الحروب أكدت في اتصال مع نداء الوطن أن ما تم الاتفاق عليه بالتأكيد أفضل من القرار السابق الذي يزيد العبء على المواطن. إلا أنها اعتبرت أن رئيس الوزراء مارس تحايلاً ذكياً من خلال تخفيف العبء على المواطن من سعر الأسطوانة ومن ثم توزيع هذا العبء على باقي المحروقات، أي أن الأسرة ستدفعه بكل الأحوال بشكل غير مباشر وغير ملموس.وهاجمت الحروب قرار الحكومة المتعلق بترخيص السيارات، حيث أوضحت أن ما كان معمولاً به سابقاً، أن هناك نوعان من الشرائح: سنة الصنع وسعة المحرك، مبينة أنه وفقاً للقرار الجديد تم إلغاء اعتماد سنة الصنع والإبقاء على سعة المحرك وهذا غير جائز لأن من يشتري سيارة بقيمة مرتفعة وسعتها قليلة ليس كمن يشتري سيارة بقيمة منخفضة وبسعة قليلة، سيتم الدفع نفس المبلغ، وهذا ما أغضب الناس.
ويتفق الأستاذ محمد البشير الخبير الاقتصادي مع ما ذهبت إليه الحروب، مؤكداً أن الأصل أن يتم فرض رسوم بالنسبة للسيارات وسعة الماتور على القيمة السوقية، دون أن تكون التسوية ما قبل وما بعد القرار، باعتبار القيمة السوقية هي أقرب إلى العدالة كأساس لفرض الرسوم على من يمتلكون سيارات ذات سعة كبيرة. ولفت إلى أن من يمتلك قيماً أعلى للسيارات سيتوجب عليه أن يدفع رسوماً أعلى ممن يمتلكون سيارات بأسعار أدنى. وأشار إلى أن السعة يتوجب أن لا تكون مرجع لتحديد الرسوم، وأن قيمة السيارة المملوكة سوقياً هي التي يتوجب أن تدفع رسوماً تتفق مع هذه القيمة، بمعنى أن هناك أشخاص يمتلكون سيارات بآلاف الدنانير وذات سعة أقل من 2000 سي سي هؤلاء يتوجب أن يدفعوا رسماً مختلفاً عمن يمتلكون نفس السعة ولكن قيمة سياراتهم أقل.
فيما يصف الرفيق أحمد مراغة عضو اللجنة المركزية في حزب الوحدة الشعبية ما حدث بأنه لا يتعدى كونه مسرحية سمجة مثلها مجلس النواب مع الحكومة، ويرى ان هذا التعديل الذي لم يلغي الرفع، وإنما صيغ بآلية أخرى مع بقاء النتيجة، ظناً منهم بأن هذا التعديل سيقنع المواطن بأنه لصالحه.
واتهم مراغة وهو العضو في حملة الخبز والديمقراطية مجلس النواب والحكومة بممارسة التدليس على المواطن الذي لن يغير موقفه من هذا المجلس العبثي، ولن تفيد أعضاءه مستقبلاً الذي يستعد للدورة البرلمانية القادمة، وسيأتي اليوم الذي يقول فيه المواطن كفى لقد آن أوان التغيير، إن نهجكم لم يكن صحيحاً كما تدعون، أنه تدمير ممنهج يجب أن يتوقف.
هذا القرار الحكومي جاء ملطّفاً للقرارات السابقة ويهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي، ولكنه لا يحل المشكلة بشكل نهائي، فمشكلتنا مع الحكومة وفق النائب رولا الحروب أنها مستمرة في مسلسل رفع الأسعار، المياه والطحين، محذرة من توجه حكومي لرفوعات مقبلة على النقل، أي أن المواطن بانتظار سلسلة من الرفوعات بانتظار الشعب الأردني، إذا لم يتم ردع الحكومة سيتم استمرار مسلسل الرفع.
منذ أن حلّت علينا الأزمة الاقتصادية عام 1989 وتبعاتها من مديونية عالية وانخفاض سعر الدينار وخصخصة مؤسسات القطاع العام وما رافقها من فساد فاضح، والتي كانت تعطي مردوداً يغطي بعضاً من نفقات الدولة، بدأت حلقات إملاءات الدائنين عبر ما سمي بالتصحيح الاقتصادي، معتمدة كأساس لتعويض الموارد المفقودة التي سببتها الخصخصة على زيادات متلاحقة للضرائب وارتفاعات مضطردة في أسعار كل السلع المعتمدة لحياة المواطن.
هذا النهج وفق الرفيق مراغة مارسته كل الحكومات المتعاقبة، ولكن هذه الحكومة بالغت في تكرار الرفع وتحميل المواطن أعباءً لم يعد قادراً على حملها، ومترافقة مع ثبات أصحاب الدخول المحدودة.
ويؤكد أحمد مراغة أنه ما دام هذا النهج قائماً ومعتمداً في إدارة اقتصاد البلاد، فإن قرارات الرفع اعتماداً على جيب المواطن لن تتوقف، خاصة وأن حجم المديونية يتزايد سنة بعد أخرى ستضع البلاد في أزمة أشد مما هي عليه، وستكون تبعاتها على المواطن كارثية من جهة، ومن جهة أخرى ستتزايد تبعية مجمل حياتنا للخارج.
على صعيد متصل، سلمت الأمانة العامة لمجلس النواب مذكرة حجب الثقة عن الحكومة موقعاً عليها 28 نائباً فقط.
وأكد النائب عساف الشوبكي أحد النواب الموقعين على المذكرة أنها سلمت إلى الأمانة العامة.
وكان النواب المهتمون بالمذكرة صرّحوا سابقا أن عدد الموقعين عليها 31 نائباً، ما يعني انسحاب 3 نواب من التوقيع عليها.
يذكر بأن 73 نائباً أعلنوا عزمهم التوقيع على مذكرة طرح الثقة بالحكومة عشية اتفاق جرى بين الحكومة والمكتب الدائم لمجلس النواب . إلا أنه بُعيد الإتفاق بين الحكومة والنواب، لم يوقع على مذكرة حجب الثقة إلا 31 نائباً من ال 73 نائباً الذين أعلنوا عزمهم التوقيع على المذكرة حيث وجدوا أن مسببات الغضبة النيابية قد انتهت، فيما رأى النواب الموقعون على المذكرة أن القضية تتعلق بنهج سياسة حكومة عبد الله النسور ولا تتوقف عند القرارات الأخيرة.
إذن، جوهر القضية ليس في خلافات وصراعات مجلس نواب، فقد ثقة الشارع به مع رئيس وزراء ارتبط اسمه في ذهن المواطن بكلمة (الرفع)، فالقضية في جوهرها استمرار النهج الاقتصادي المتمثل بتنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي والتي وصلت حد اعتراف رئيس الوزراء باستحالة تراجع الحكومة عن تحرير المشتقات كونها ملتزمون مطالب من الجهات المانحة (صندوق النقد والبنك الدوليين). فهل سيوقف النواب المحتجون هذا النهج من خلال عدم تمرير مشروع الموازنة الذي بدأ المجلس في نقاشها أمس، أم سينتصر المجلس النيابي “لعادته القديمة” بخذلان الشارع والانحياز إلى مصالحه الضيقة؟!