الحرب الأميركية على الصين ليست المرّة الأولى / موفق محادين
في مُفارقة سياسية من مُفارقات التاريخ أصبح كيسنجر مهندس العلاقات الأميركية مع الصين أيام نيكسون مهندس الحرب عليها.
وفي الحالين، ارتبط كيسنجر بهذا الخيار من الخيارات الاستراتيجية الأميركية، مقابل بريجنسكي، الذي اعتبر روسيا (الأوراسية) مصدر الخطر الحقيقي على الهيمنة الأميركية، ومقابل مبدأ مونرو الشهير الذي ركّز على أميركا الجنوبية.
وقد استند كيسنجر كما مطابخ ترامب إلى (صحوة) بلا آفاق حول تداعيات ما سمّاه ماركس مبكراً بتقسيم العمل الرأسمالي، حيث تميل الرأسماليات المُتقدّمة، إلى التخلّص المرة بعد المرة، من البُنى الصناعية الكلاسيكية لصالح ما يُعرف بثورة المعرفة وتقنياتها، وما يرتبط بها من رأسمالية مالية بديلة للمعادلة الكلاسيكية (بضاعه، نقد، بضاعة) وهو ما أدّى بالمقابل إلى تحوّل بلدان معروفة في المحيط، مثل الصين، إلى مركز للصناعات العالمية والرساميل المُهاجِرة إليها.
هكذا تحوّلت الصين من دائرة (للتعايش) إلى دائرة مُستهدَفة حسب كيسنجر والإدارة الأميركية الجديدة، ممثلة بترامب.
ولم يكن كيسنجر وحده قد اختلط عليه الأمر في المرتين، فثمة ما يُقال عن مُقاربات أميركية أخرى في حقلي الأدب والفكر السياسي. فصاحبة رواية الأرض الطيّبة (بيرل باك) لم تحتفظ بذاكرة الجوع والفساد التي قادت إلى الثورة الشيوعية، وعادت تحت تأثير كنيستها المُتشدّدة لتحذّر من صين ما بعد الأرض الطيّبة.
كما تحوّل صموئيل هنتنغتون من باحث عن المشترك بين (الثقافات العليا) حسب تعبيره، إلى فيلسوف لصراع الحضارات والثقافات، واضعاً كونفوشيوس وزرادشت ورسول الإسلام والأرثوذكس في صف واحد، بانتظار تدميره في فانتازيا هرمجدون، ولم يكن هذا الاصطفاف أيديولوجياً مجرّداً بل كان تجسيداً للشرق كله من السلاف وروسيا الأرثوذكسية إلى الشرق الآسيوي، أي أوراسيا وحقول النفط والغاز والجيوبولتيك.
والأهم من كل ذلك بالنسبة للصين، بما تمثّله اليوم من تهديد للرأسمالية الأميركية على الصعيد العالمي. فما من أسواق أو قارات مُغلقة اليوم في وجه التمدّد الصناعي الصيني، وذلك فضلاً عن استقواء الصين بالجاليات الحيوية شرق ووسط آسيا، حيث المجالات الحيوية الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية، وفضلاً عن انخراط الصين في اتحاد البريكس وصناعتها لتحالف شنغهاي .
ليست المرة الأولى التي تُهدّد فيها الصين مصالح دولة رأسمالية كبرى. ففي العقود الأولى من القرن التاسع عشر بدأت الصين تشهد ثورة اقتصادية كبيرة حيث كانت بريطانيا تؤسّس الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وتطلق شركة الهند الشرقية من أقصى الشرق إلى أقصى الجزر البريطانية.
أما المُشترك بين المرتين فهو الحرب القذرة التي شنّها الغرب المتوحّش على الصين.
في المرة الأولى، عبر حرب الأفيون الإنكليزية ومعاهدة شنغهاي التي ألزمت الصين بفتح حدودها أمام البضائع البريطانية وأمام الأفيون بشكل خاص، ما حوّل الصين خلال سنوات إلى (دولة مريضة) أنهت ثورتها الاقتصادية الأولى.
وفي المرة الثانية، عبر حرب السارس الأميركية في مطلع الألفية حيث أشارت تقارير دولية إلى أن هذا المرض الرئوي سريع الانتشار، هو مرض مصنوع ومُعدّل وراثياً من قِبَل الشركة الأميركية التي حلّت شيفرة الخارطة الجينية للإنسان. وقد أظهر العديد من الأفلام الأميركية نفسها مثل ظلام الألدورادو، وجزيرة شاتر لسكورسيزي، أن أميركا دخلت فصلاً في حرب الجراثيم واللعب على أنسجة الدماغ ، بل أن أميركا سبق لها أن استخدمت أشكالاً بدائية من هذه الحرب ضدّ الهنود الحمر (حرب الجدري) وأشكالاً مطوّرة كما في السائل البرتقالي ضدّ فيتنام.
ويخشى فعلاً أن تلجأ إدارة ترامب إلى استخدام أشكال مطوّرة من السارس وغيره ضدّ الصين، ووضع هذا البلد تحت (الحَجر الصحّي) في حرب قذرة (مسبوقة) في تاريخ البنتاغون والبيت الأبيض.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً